دمشق، سوريا، 19 نوفمبر، (تيم العكس، أخبار الآن)
في نهار دمشق ثمة مناطق يعتبرها السائقون مناطق خطرة، بمجرد أن تطلب من السائق إيصالك إلى جرمانا مثلاً، سيقول لك : “طريقي الى المهاجرين “.

أما بداية ليلها فهو لحظة فارقة في حياة سكانها، حيث السيارات لا تتوقف، بحيث تصبح محاصراً في فراغ لا تجوبه سوى الأشباح.

بعد العاشرة ليلاً ليس هناك من بين سائقي سيارات الأجرة سوى عناصر الأمن المكلفين بمهمات التجوال والمراقبة، وسوى بعض قليلي الحظ المضطرين الذين سرعان ما تعرفهم حين تسمع أصواتهم وهم يشتمون حظهم الذي أخرجهم ليلاً.

النصيحة هذه الأيام أنه من المفضل عدم التحدث مع سائق سيارة الأجرة خلال النهار، أما خلال الليل فقد ينتهي بك الطريق إلى أحد الفروع الأمنية، أو مرمياً على أحد الحواجز بسبب حديث قصير تجريه مع سائق قد يستنتج أنك متعاطف مع من يسميهم ” المسلحين “.

قسمة المكان وقسمة الزمان 
دمشق هذه الأيام مقسومة في إطارين، أحدهما مكاني، حيث تبدو المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أشبه بإمارات معزولة نسبياً. السيارات الخائفة تدور على نفسها في مكان واحد، إصبع سائق التكسي دائماً تتجه إلى الأسفل ليقول لك : ” أعمل في هذه المنطقة فقط “. أبو عماد الذي ترك مهنة النجارة وأصبح سائق تكسي يقول : ” ليس الوقت وحده هو الذي يضيع على الحواجز، بل كرامات الناس أيضاً، طوال الوقت أعمل في جرمانا، وأنا مقيم هنا منذ عام تقريباً، لم أخرج إلى باب توما سوى مرتين فقط “. تغيير المكان بالنسبة لسائقي التكسي مخيف كما جميع أفكار التغيير في هذه المدينة الراقدة على الجمر. وكذلك القسمة في إطار زماني حيث الليل والنهار أشبه بعالمين مختلفين، لكل منهما كائناته المختلفة. وربما لا يشتركان سوى بجنود الحواجز المنتشرة بكثرة في كل مكان أو الشبيحة الذين يرصدون مداخل الحارات والشوارع الرئيسية ويوقفونك لمجرد أنك عابر طريق لا أكثر.

كلمات تعارف على الحواجز
من الجنون أن تطلب من سائق تكسي أن يقلك من البرامكة إلى حرستا ، سيضحك السائق بدون شك، وسيعيد عليك السؤال بطريقة أكثر جدية: ” لوين طريقك عمي ؟ “لقد أصبح مجرد التفكير بالعبور إلى منطقة تحت سيطرة الجيش الحر ضربا من الجنون، ومدعاة للضحك في مدينة تتفكك سريعاً تحت سلطة حواجز النظام ، الموالون لنظام الأسد ليسوا أسعد حظاً من معارضيه على تلك الحواجز حيث لا قيمة لأحد سوى زملائهم الأمنيين والشبيحة الذين يعرفونهم فوراً ما إن يبادروا للسلام بكلمة التعارف المعتادة : ” كيفك يا غالي ” .كلمة التعارف هذه التي يعتمدها الأمنيون والشبيحة من عناصر الحواجز، يحاول أن يختبئ وراءها بعض السائقين المستعجلين المغامرين الذين أودت بهم في كثير من الأحيان إلى أقرب فرع مخابرات بعد جولة من الضرب والتنكيل والابتزاز.ستكون محظوظاً إذا كان السائق مخبراً أو شبيحاً أو عنصر أمن، بشرط ألا تنبس ببنت شفة طوال الطريق، فهذه الشريحة من السائقين يستطيعون المرور على الخطوط العسكرية التي توصلك إلى المكان الذي تريده في وقت قياسي في المدينة المزدحمة نهاراً، مما يعفيك من التوقف على الحواجز التي تتراكم قوافل السيارات على جهتيها لتكون درعاً حياً لقوات النظام من هجمات محتملة تنفذها مجموعات الجيش الحر.

الهويات القاتلة 
كان يكفي أن تكون كلمة ” درعا ” مكتوبة على البطاقة الشخصية لـ “مجد ” وهو طالب جامعي، حين أوقفه حاجز جسر مشروع دمر، والتهمة الوحيدة أنه من درعا، الأمر الذي استدعى تفتيش سيارة الأجرة تفتيشاً دقيقاً استمر حوالى الساعة ولم ينتهِ إلا بعد أن أفرغ محفظته من المال في جيب عسكري الحاجز.الابتزاز ظاهرة منتشرة على الحواجز وخصوصاً إذا كان عاثر الحظ من منطقة منخرطة في الثورة، وسائق التكسي الذي يعلم هذا الأمر جيداً، سيسارع إلى نصيحة زبونه لـ ” تزييت العسكري “، وهو المصطلح الذي اعتاده سائقو دمشق للتعبير عن إفراغ محفظتك مقابل المرور وإلا فإن كثيراً من التهم جاهزة لتذهب بك في رحلة اعتقال طويلة.