الرقة، سوريا، 11 ديسمبر، سعاد نوفل، اخبار الآن –
اهتزّت الأرض .. صفّقت الأبواب والنوافذ .. اسرعنا باتجاه الشارع .. الضربة قريبة .. ركضت في الإتجاه الصحيح والناس من حولي سُكارى، الأم تجرّ العربة والبنت تبكي والأب اختنقت عبراته .. وصلتُ المكان بجانب الملعب .. النيران ماتزال تلتهم أثاث البيوت وترسم على الجدران صور الموت .. تأخرت المطافئ كثيرا والوحش لا يوفّر شئ ..
لايوجد سوى السواد والاجساد المتفحّمة من دون ملامح .. الكل يصرخ .. الكل يسب .. الكل يدعون رب السماء … النيران يتسارع لهيبها .. تدافعنا لنطفأها بأواني المطبخ المهدّم وبجانبي ذاك الشاب بسلاحه الأقوى محمد نور مطر .. لم أكن لأعرفه سابقاً طلب مني ان أُبقي سيبة كاميرته عندي ليصعد للأعلى قلت له “وأنا كمان طالعة” ..
ركضنا عالدرج والدخان يدفع بنا للخلف .. وصلنا الطابق المغضوب عليه فتحنا باب إحدى الغرف لتهجم النار علينا .. جرّني بقوة إلى الخلف .. سحبنا خرطوم الماء من الشُرفة والكاميرا مُتمسّك بها بقوة لتصوير الحقيقة وهو يصرخ .. “خيتي خيتي ديري بالك .. ابتعدي خليني انا أطفي” .. ونحن الاثنان أحدنا يبعد الآخر .. نعم هو محمد نور المطر الشهم .. هو من اكثر الشباب الاحرار ..
عرفت فيه معنى الحرية بكل تجلياتها .. صرت اراه بعد تلك الواقعة باستمرار .. له جناحان بحجم السماء وقلب كالجوهر .. يتصدّر الظلم بصدره العاري وعدسته النظيفة ولم يهب بالحق أحد .. في إحدى المرات قال لي ممازحا: “بكل قصف بلاقيكي موجودة خاف أنت يا بنت عم ترمي الشريحة للطيارة ههههه” (شريحة إلكترونية يرميها العواينية لترشد طائرات النظام إلى المكان المستهدف).
هو من السباقين بكل شئ .. وفي ذاك اليوم اختفى ذاك الجميل المترّد .. لفّه سواد داعش .. وجريمته الوحيدة هي كاميرا الحقيقة التي يحمل .. لن اتحدث عنك المزيد يا صديقي فمن يعرف الثورة يعرف محمد أبو النور ابن الرقة الحر.