الزبداني، ريف دمشق، سوريا، 25 فبراير، (مازن الأطرش، أخبار الآن) —
تغنى النظام خلال الأسابيع القليلة الماضية، بانجازه هدنًا في كثير من المناطق الثائرة في العاصمة دمشق وريفها، واليوم يحاول إنجاز هدنة مع مدينة الزبداني بريف دمشق، عقب أشهر من الحصار الخانق والتجويع الممنهج، في ظل قصف متواصل بشتى أنواع الأسلحة الثقيلة والبراميل المتفجرة.
“منذ أشهر لم يرَ أبنائي الخبز أو الخضار أو الفاكهة أو اللحم”، فرح، من أهالي الزبداني، والتي فقدت آخاها في إحدى الغارات الجوية، تقول “لم يعد لدينا ما نقتات عليه سوى بعض الحبوب، فليس مسموح لنا أن ندخل شيئًا إلى المدينة لا طعام ولا مواد تدفئة لاثياب، ولاشيئ”.
وتضيف “لم نمت من الجوع بعد، لكن قد نموت من البرد، فدرجات الحرارة في مدينتنا الجبلية منخفضة جدا ولا شيء يقينا منه، كنا نحطم أثاث منزلنا ونشعلها لكن حتى هذا لم يعد متوفرا”.
تنقسم مدينة الزبداني إلى نحو 70% تحت سيطرة الثوار، يقطن فيها بضعة ألاف من أهالي المدينة، و30% تحت سيطرة قوات النظام ويقطن فيها أكثر من 40 ألف شخص نزحوا من منازلهم الواقعة تحت سيطرة الثوار إثر القصف الكثيف الذي يتعرضون له.
وعن سبب عدم نزوحها من المدينة رغم القصف، توضح فرح “لا يمكن أن أترك أمي وأبي اللذين رفضا النزوح، وترك أخوَي اللذان يقاتلان مع الثوار، وكثيرة هي الأسر التي رفضت أن تنزح، إما لأن لديها أقرباء يشاركون في القتال، أو أنهم لم يتقبلوا أن يخرجوا من منازلهم والتشرد في مراكز الإيواء أو الطرقات والحدائق”.
وعن أحوال من تبقى في المدينة ومعنوياتهم، تقول فرح إن “أنجح سياسة اعتمدها النظام خلال الأعوام الثلاثة الماضية هي سياسة التجويع، فالجوع فعل بنا ما لم تفعله القنابل، أصعب ما يمكن أن يواجهه الإنسان هو عجزه أمام طفله الجائع أو البردان”.
من جانبها، تقول فدوى، إحدى النازحات من قلب مدينة الزبداني إلى أطرافها الخاضعة لسيطرة النظام: “هربنا من القصف إلى أطراف المدينة، فلا ذنب للأطفال أن يموتوا وهم لا يعلمون السبب”، مستدركة أن “الفرق الوحيد بيننا وبين من بقي في المدينة أنهم يعيشون تحت القصف لكن بكرامتهم ونحن دون قصف لكن دون كرامتنا، التي يتقصد النظام انتهاكها عمدًا”.
وأضافت في “بداية الزبداني هناك حاجز لقوات النظام يسمى “حاجز حسين” قد يكون أسوء حاجز من حيث التعامل مع المواطنين، أخر مرة مررت عليه كان معي كيلوغرام واحد من بطاطا وأخر من البندورة وخستين وربطتي خبز، أوقفني الحاجز وبدأ يفتش الأغراض بكل ما قد تتصوره من استفزاز، وهو يسألني، هل تشبعون هل هناك برد، طبعا وهم يمنعون عنا الوقود بشكل كامل”.
وتتابع “عندما عد أرغفة الخبز ووجدها أكثر من ثمانية صرخ في وجهي ورمى ما زاد بيده إلى جانب الطريق، حملت أغراضي، كان بجانبي عسكري أخر يصرخ بوجه رجل جاوز الستين من العمر، وهو يسكب أمامه كيسا من السكر”.
بدوره، قال محمد، وهو ناشط سياسي من أبناء الزبداني، إن “موقع الزبداني الجغرافي وإطلالها على الطريق الدولي دمشق بيروت، وقربها من فلل يعفور التي يقيم فيها كثير من مسؤولي النظام، جعل نحو أربع قطع عسكرية من قوات النظام تحاصر المدينة منذ أشهر”.
ويضيف “الوضع الإنساني داخل المدينة سيء جدا، كما في الأطراف التي تخضع لسيطرة النظام، إذ إن نقص المواد الغذائية والطبية، يزداد يوما بعد يوم”.
وعن وضع الأطفال في المدينة، قال محمد “هناك مئات الأطفال المحاصرين داخل المدينة، منهم أكثر من 200 طفل يفترض أن يكونوا طلابا في مرحلة التعليم الأساسي، ما دفع عدد من المتطوعين من أبناء المدينة إلى تحويل أحد برادات الفواكه إلى مدرسة، لإبقائهم على تواصل مع المناهج الدراسية، بعد أن خسروا عامين من حياتهم الدراسية، إلا أن قوات النظام استهدفت تلك المدرسة بثلاث قذائف مدفعية، عقب دقائق من خروج الطلاب والمدرسين منها”.
وعن الهدنة التي يعمل النظام على إقرارها مع مقاتلي المعارضة في المدينة، قال محمد إن “القصف الذي تتعرض له المدينة منذ أشهر، في حين يعاني الثوار من نقص في الذخيرة والعتاد، إضافة إلى مسؤوليتهم تجاه المدنيين الباقين في المناطق التي يسيطرون عليها، جعلهم أمام خيار الجوع أو الركوع”.
وأضاف “هناك عدة مواضيع ما زالت تخضع للبحث بين اللجنة المحلية والنظام، أهمها وضع المقاتلين وغير الملتحقين بالخدمة الإلزامية العسكرية، إضافة إلى رفض دخول قوات النظام إلى المدينة، فالثقة معدومة بين الطرفين”، مستدركا “اعتقد أن هذه النقاط قد تسوى كما حدث في مناطق أخرى، إذ إن النظام على ما يبدو يمتلك رغبة بانجاز هذه الهدن”.
ويرى مراقبون أن هذه الهدن غير قوية ويقرها الطرفان لحاجات آنية، من دون بحث أساس الأزمة، التي بدأت من مطالب شعبية بالحرية والكرامة ورد النظام عليها بعنف مفرط، ما تسبب في مقتل أكثر من 130 ألف شخص وتشريد نحو 9 ملايين آخرين، ما يهدد بانهيارها في أي لحظة، واستئناف القتال بدموية أكثر.
يشار إلى أن عدة مناطق ثائرة في دمشق وريفها، عقدت هدنًا عقب أشهر من القصف والحصار الخانق، تقوم على وقف إطلاق النار ورفع علم النظام، مقابل إدخال المواد الغذائية والطبية إلى تلك المناطق، والسماح للحالات الصحية الحرجة والأطفال والنساء بالخروج منها، إذ وثقت منظمات وناشطون قتل عشرات الأشخاص بينهم أطفال وكبار في السن جوعا.