نواكشوط، موريتانيا،  11 مارس 2014، (آسية عبد الرحمن، أخبار الآن) –

إنهن هنا على بعد أمتار من أحد أغنى الشواطئ في العالم بأغلى أنواع السمك، وعلى شاطئ رملي ينافس في سعته وجماله وطوله شواطئ جزر هاواي، وقادمات من ضفة نهر يتجاوز السبعمائة كيلومتر تفيض ضفافه خصوبة، ولكنهن يعشن من هذه الحبوب.
هذا الكيس البلاستيكي المملوء نصفه من حبوب القمح، لم يشتر جاهزا هكذا، فهذه السيدة التي تشارف الستين لا تملك حتى نصف ثمنه، ولم يصل كيسها هذا المستوى من الامتلاء في طرفة عين، إنها قصة طويلة للباحثات عن القوت من فتات الشاحنات .

جامعات الفتات في موريتانيا ..نساء يعشن على جمع القمح من الطريق!

صبر وخبرة وحظ
تعمد عدد من النساء المعدمات في هذه المنطقة المعزولة من العاصمة الموريتانية نواكشوط على ثلاثية يعتبرنها السر في بقائهن على قيد الحياة، ومن ورائهن أطفال وعجائز لا يجدن من القوت إلا ما يجلبنه حين تغيب شمس يوم شاق.
تسابق النسوة المعدمات خيوط الفجر إلى هذا الطريق الرابط بين ميناء نواكشوط القديم وبين وسط المدينة، يعتمدن على حظهن في وصول باخرة محملة بحبوب القمح، لتفرغ في الشاحنات التي توصلها إلى السوق المركزية قبل تعليبها ووضع العلامات التجارية عليها، وهي العلامات التي ستحدد لاحقا سعر الكيلوغرام بسقف لا تسيتطع هولاء النسوة تحصيله.
ولأن الرزق مكتوب كما تقول إحداهن يعتمدن على الحبوب المتساقطة من الشاحنات المتهالكة التي توصل القمح من الميناء إلى السوق، يجمعن الحبوب بصبر كبير في أواني بيتية، من خلال ملاحقة أثر الشاحنات، وحين يجمعنها تكون مختلطة مع الرمل الذي تذروه الرياح من الكثبان القريبة من الشاطئ، فيتعن عليهن أن يقمن بتصفية الحبوب من خلال غربلة يدوية تستهلك وقتا أكثر من الوقت الذي أمضته النساء في جمع الفتات من الطريق، قبل أن يجمع محصول يوم كامل في كيس، وقد يكون ذلك المحصول في نهاية اليوم الطويل مجرد كيلوغرام واحد أو اثنين.
لكنه زرق ساقته الأقدار إلى صبية وعجائز يسكن في أكواخ بالية في أحد الأحياء الشعبية تعجز النساء المعيلات لهن عن توفير ثمنه.
جامعات الفتات في موريتانيا ..نساء يعشن على جمع القمح من الطريق!
ناقوس خطر أممي
في موريتانيا البلد الغني بموارده الطبيعية الفقير بأحوال شعبه كشف تقرير أعدته بعثة من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)بالتعاون مع منظمة التعاون الإسلامي (OCI) وجامعة الدول العربية (LAS) عن انعكاسات خطيرة للأزمة الغذائية في موريتانيا ، مؤكدا أن كما أن 802 ألف شخص يعانون من نقص الغذاء، نسبة 23.7 منهم من الأسر، وأن 190 ألف من هؤلاء حالتهم حادة، مردفا أن 60% منهم يوجدون في “المناطق الزراعية والرعوية.
التقرير الذي نشرته صحيفة الأخبار إنفو قبل أسابيع أشار إلى وجود 125300 ألف طفل يعانون من سوء التغذية، 30750 منهم حالتهم حادة وخطيرة، فيما توصف حالة 94500 منهم بالمتوسطة الخطورة، كما تحدث التقرير عن وجود 16600 من الحوامل والمرضعات يعانين من نقص حاد في التغذية.
وعن مدى انتشار النقص الغذائي رأى التقرير أن 7 ولايات من أصل 13 ولاية هي كل ولايات موريتانيا توجد تحت الحد الأدنى للأمن الغذائي.
 
التقرير تحدث عن الارتفاع الكبير الذي عرفته الأسعار في البلاد خلال الأعوام الأخيرة، معتبرا أن السبب الرئيسي لذلك هو اعتماد موريتانيا على استيراد حاجياتها من الخارج بنسبة 70%، حيث يعجز إنتاجها الذاتي عن تغطية أكثر من 30%.
وعلى الرغم من النفي الدائم من الحكومة الموريتانية إلا أن من يزور هذا الطريق سيدرك جزء يسيرا من حقيقة الأزمة .