غازي عينتاب، تركيا، 21 مارس، (سعاد نوفل، أخبار الآن) –
لا ادري من أين أبدأ ولأيّ أمٍ سأكتب؟، بأي لغة؟ وما بفيّ تعجز حروف ابجدية العالم عن ترجمته. رسالتي ليست للمعايدة في عيد الام بل للمواساة والعزاء، لصبركم، لتضحياتكم.، لجُلّ ما قدمتموه، من فلذات اكبادكم لوطن تكالبت عليه الذئاب.
أشعر اليوم وكل يوم بغصّة كل أم فقدت عزيزها والزفرات المكلومة التي حفرت صدرها، أستطيع أن أرى الأم الثكلى وهي ترتكي على حجر بيتها المُهدّم تنظر لآخر الشارع علّها ترى احدا من ابناءها الصغار قادما من المدرسة وهي التي دفنتهم البارحة بيديها بعد قصف البراميل حارتهم.
نعم فقط الام السورية الصابرة في زمن طغى الموت على كل شئ في زمن بكت فيه الجبال والرجال، وهي ما تزال تقف على نافذة التنور تصنع الخبز للثوار، في زمن ضاعت كل القيم من رؤوس البشر، إلّا السورية تعتلي شجرة الزيتون لتقطف حباتها وتطعم صغارها ليكبروا بسرعة ويكونوا منارة للحرية باستشهادهم.
هذا اليوم وكل يوم يحمل في طياته كثيرًا من الألم للامهات السوريات ولليتامى. ها هو الطفل اليتيم حمل من شجرة الجوري التي زرعتها أمه منذ ولادته، يبحث بين الجموع من ساكني المقبرة عن ثرا والدته يبكي وتتعثر خطواته، جاء ليقدّم لها وردة في عيدها.
أمي مثل كل الامهات حملت مونة البيت لتأتي إليّ لتراني هنا بعد رحيلي القسري، أتتني ومعها شوق جيراني ورفاقي واخوتي، لم يعسرها لا كِبَر سنّها ولا مرضها، رأيت كل شوق السوريات بوجهها وتركت هناك بقية من روحها زادًا لمن بقي لنا هناك.
أمي أنت من يعيدنا لذكريات الماضي وصور والدي المرحوم وهو يستقبلني على الباب مُهللاً بعودتي من المظاهرة
ليقول لي الحمد لله عالسلامة بنتي. أعتقدتُ أنّه لن يموت كشجرة الليمون ودالية العنب في بيتنا العتيق لكنه رحل
أفتقدته اليوم في ظُلمتي هذه.
سامحونا، سامحونا.
أمي، تركناكي وانت في خريف العمر بالوقت الذي يجب ان نكون عكّازا لك. انتِ وطن ونحن من دونك غربة
ولكن في يوم ما سنعود، سنعود لنرتاح على صدرك لنبكي طويلا، لنرتاح من شقاء السفر لكل من هو ذاهب لسورية بلدي، بلّغوا عنّي أمهاتنا أنّ لهن في هذي الديار أهلاً وهم بشوقٍ للعودة إليهم.