استغرب سكان أحياء جرمانا القريبون من بلدة المليحة، تكرار مشاهدة أعمدة الدخان تتصاعد من البلدة، رغم أنها تحت سيطرة قوات النظام منذ نحو شهر، وحين استقصوا عن الأمر تبين أن شبيحة جرمانا، ليس فقط "يعفشون" المنازل التي غادرها اهلها، بل ويحرقونها في محاولة للتمويه على جرائمهم.
توقفت أم سليم طويلاً وهي تحدق في أثاثٍ معروضٍ للبيع في أحد محلات المستعمل في جرمانا، على أحد الكراسي ما زالت خربشات ابنتها الصغيرة بقلم الرصاص، وعلى الطاولة آثار التشققات التي كانت شاهدة على أسرار عائلتها في المليحة، لم تستطع حبس صراخها في وجه البائع: "حسبنا الله ونعم الوكيل إنها أغراض بيتي وأنتم سارقون".
ليست أم سليم المهجرة الوحيدة التي رأت أثاث منزلها معروضاً للبيع فآلاف المهجرين الذين تركوا بيوتهم ومحلاتهم ومستودعاتهم في المليحة يصادفون أغراضهم وهي معروضة للبيع، وبعضهم يذهب لشراء أثاثه مرةً ثانية.
"شيل وشوّل بشار مطول" عبارة تستخدم كثيراً ما يسمعها سكان جرمانا، التي يخرج منها عدد من عناصر جيش الدفاع الوطني ويمشطون المناطق التي يدخلها الجيش ليس من "المسلحين" إنما من الممتلكات.
جرمانا التي يصل عدد المهجرين فيها من المناطق الثائرة إلى ما يقارب 200 ألف شخص، فيها أكثر من 600 شاب منضوي تحت مسمى جيش الدفاع الوطني، بعضهم ساند النظام في معركته الأخيرة على المليحة بعد حصارٍ استمر لما يقارب 135 يوم، وكانوا مشاركين أيضاً في عمليات التعفيش جنباً إلى جنب مع الميليشيات الشيعية وقوات النظام.
هذه الظاهرة دفعت الهيئة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز في المدينة إلى إلقاء "الحرم الديني" على كل من يتاجر بالبضائع "المسلوبة بأساليب دنيئة"، ومقاطعته اجتماعياً.
واعتبرت الهيئة في بيانها أن هذه الظاهرة غريبة عن مجتمعنا وقيمنا، وأكدت أن "هذا العمل مرفوض ومنبوذ جملةً وتفصيلاً وكل من يشارك به بيعاً أو شراءً أو نقلاً أو تخزيناً أو أي تساهل مع هذه الظاهرة القبيحة يعتبر مذنباً مخالفاً للعادات والتقاليد والمبادئ الدينية والأخلاق العريقة ويخضع للمساءلة الدينية والاجتماعية الصارمة بحيث لا يزار أثناء حياته ولا يؤكل من طعامه ولا يصلى عليه حين وفاته".
وأتى موقف الهيئة الروحية التي اعتبرت أن هذا الفعل قبيح تتم ممارسته بأساليب دنيئة، بعد مطالبات الأهالي باستصدار مثل هذا القرار، وسبق أن اتخذت الهئية مواقف مشابهة، حيث حاولت ردع من يشارك في عملياتٍ عسكرية خارج حدود جرمانا من اللجان الشعبية بعدم الصلاة عليه عند وفاته.
ومن ناحية المشاركون في عمليات السرقة وهم من أسفل الهرم الاجتماعي في المدينة، امتلكوا ثرواتٍ من وراء عمليات التعفيش، وفي البداية كانت أسعارهم بخسة أما الآن يبيعون المسروقات بأسعارٍ مرتفعة، حيث ازداد عدد الشركاء في هذه العملية، لناحية النقل وشراء الحواجز وعدم سؤالهم عن مصدر هذه المسروقات، حسب ما يشير أحد مؤسسي لجنة العمل الوطني في مدينة جرمانا والذي فضل عدم ذكر اسمه، مؤكداً أن وراء هذه العمليات مافيات حقيقية، فبعد أن تسرق ما خف حمله وغلى ثمنه تقوم قوات النظام بتعهيد منطقة ما بسعرٍ مقطوع للجان الشعبية..
وهو ما يحدث اليوم بالمليحة، التي يتم سرقة حتى الحديد من مبانيها المهدمة، ولأن الجميع على علمٍ بالثروات التي يجنيها هؤلاء، باتوا يتقاسمون الأرباح، لذلك باتت أسعار المسروقات مرتفعة، فبعد أن كان البراد مثلاً يباع بخمسة عشر ألف ليرة أصبح اليوم سعره أربعون ألف ليرة، وأسبابهم في ذلك ن الجميع يريد أن "يلحس إصبعه".
ويضيف الناشط أن هؤلاء أنفسهم هم وراء بلاء المدينة وعداء المحيط لها، حيث مارسوا التشبيح والسرقة، رغم رفض الأهالي لكل هذه الممارسات.