لم يكتفي التنظيم المتشدد "داعش" بالتغيير الديموغرافي الذي ألحقه بمحافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل بعد دخولهم إليها يوليو الفائت، ولم يكتفي أيضاً بفرض قيود صارمة تحد من حريات المواطنين في المدينة، بل إتجه مؤخراً إلى محاربة الناس بأرزاقهم.
الباعة المتجولون و غير المنظمين الذين يعرفون عراقياً بـ"أصحاب البسطات" الذين تضاعف عددهم مؤخراً بسبب البطالة وحصار المدينة، كانوا ضمن قائمة المشمولين بدفع إيجارات مرتفعة لـ”داعش" إلى حد يفوق قدرتهم المالية، بعد أن كانت بلدية المدينة قد أعفتهم في وقت سابق من دفع أي مبالغ كبدل إيجار لمواقعهم نظراً لقلة دخلهم اليومي، أما اليوم فهم مضطرون لدفع مبالغ طائلة لقاء بقائهم على الأرصفة وكسب قوتهم من خلال بيع سلع بسيطة عليها، كملابس الأطفال رخيصة الثمن أو الفواكه والخضار بما أنهم غير قادرين على دفع مبلغ تأجير محل تجاري، الأمر الذي كان تأثيره ضاراً بشكل كبير على هؤلاء الباعة البسطاء.
لم يستطع "ابو محمد” وهو صاحب "بسطة" لبيع الملابس المستعملة في سوق باب الطوب مركز مدينة الموصل، مسك لسانه عن شتم أفراد تنظيم “داعش” أثناء حواره مع “أخبار الآن”، وقال وأوتار رقبته تكاد تتقطع من شدة عصبيته: "هؤلاء الشرذمة القبيحة يريدوننا أن نموت جوعاً مع أطفالنا ونسائنا، يريدون مني أن أدفع لهم مليوني دينار (1,719 دولار) لقاء بقائي سنة في مكاني أسترزق لأطعم أبنائي الثلاثة و أعيل زوجتي التي كانت تعمل خياطة قبل إحتلال داعش المدينة، أما الان فهي عاطلة عن العمل تماماً، فليس هناك من يهتم بالملابس بقد (مثل) اللقمة. وأضاف وهو يمسك ردائه: "لم يتبقى لي سوى هذه {الدشداشة} ومثلها في البيت، كنت مضطراً لعرض ملابسي مع هذه التي أبيعها كي أجني شيئاً من المال لدفع نصف إيجار المنزل الذي أعفاني صاحبه مشكوراً من النصف الأخر، وبما أني لم أقم بدفع إيجار {البسطة}، فقد أمهلوني أسبوعا واحداً وهددوني بالإزالة إذا لم أدفع".
في الجانب الأيسر من المدينة حيث سوق النبي يونس التجاري والمحاذي لمرقد النبي يونس عليه السلام (الذي قام تنظيم “داعش" بتفجيره في وقت سابق)، الذي يعد من أهم الأسواق التجارية في جانب المدينة المذكور، هناك حيث تنتشر "بسطات" بيع الملابس النسائية والرجالية والأطفال على جانبي الشارع الرئيسي، وتبدو للمتبضعين واضحة صيحات "صبحي المصري" ذو الخامسة والاربعين عاماً وهو يعلن عن بضاعته من ملابس الأطفال بلغة تخلط بين اللهجة العراقية والمصرية وهو يعتلي كرسيه الأحمر، وبعد محاولات عدة لإقناعه بالحديث قال المصري لـ "أخبار الآن” بعد إفتتاحه الحوار بكلمة "يا باشا": "قدمت إلى العراق قبل عشرين عاماً ولم يصبني منه إلا الخير، أما اليوم فقد أضطررت إلى دفع مليونين وربع المليون دينار (1,933 دولار) بعد أن أجبرني عناصر داعش غير العراقيين على ذلك كبدل إيجار لـ"بسطتي" هذه،. وأضاف المصري: "على الرغم من دفعي لهم المبلغ كما طلبوا إلا أنهم لم يتركوني بحالي فقد حددوا مساحتي بمتر مربع واحد وحذروني من تجاوز هذه المساحة، وهذه المساحة شملت معظم أصحاب {البسطات} عدا من كان لديه واسطة وعلاقة مع أفراد التنظيم".
بعد جباية عدد كبير من الباعة بالإجبار، إشتكى أخرون من إزالة مسلحي “داعش" لمصدر رزقهم (والحديث هنا عن عشرات باعة البسطات) في معظم أسواق المدينة بعد رفضهم الدفع بسبب عدم إمتلاكهم هكذا مبلغ. خاصة مع أن العائد المادي لهولاء الباعة قد لا يتجاوز عشرة آلاف دينار في اليوم الواحد، في ظل إرتفاع لأسعار المواد الغذائية والمنزلية بنحو كبير. ومع قرارات تنظيم “داعش”، لم تترك خيارات كثيرة أمام هؤلاء الباعة، فإما أن يدفعوا لقاء بقائهم، أو أن يجلسوا في منازلهم ليرتفع مؤشر البطالة أكثر.