حالها كحال الكثير من السوريين الذين يموتون بصمت، دون أن يشعر بهم أحد كائناً من كان. لا ضجّة لخبر وفاتها بنشرة الأخبار، ولا حتى ترقيمها برقم في الشريط الأخباري. (عائشة) امرأة في الثلاثينيّات من العمر، زوجةٌ لمعتقل لدى النظام، نزحت واسرتها من ريف جسر الشغور الشرقي للريف الغربي بسبب ملاحقة النظام لها ولعائلاتها المكوّنة من ثلاثة أطفال بينهم طفلة رضيعه.
قبل وصولها للمخيّم، عانت وأطفالها الثلاث من رحلةٍ قاسية، سكنت خلالها الجبال والأحراش حتى انتهى بهم المطاف في مخّيم ضمن الأراضي السورية على مشارف تركيّا. أُصيبت عائشة بسرطانٍ جلدي نتيجة انعدام الخدمات في المخيّم الذي كانت تقيم فيه، ولم تكن تتوافر هناك مشافي ميدانيّة، ولا حتى مستوصفات للإسعافات الأوليّة، فما كان لها خياراً إلا السكوت على ألمها، حتى لا تحمّل ما نزح معها من عائلاتها ما لا طاقة لهم به، ألا وهو تكاليف العلاج في تركيّا. حيثُ أنها لا تستطيع تلقّي العلاج في مشافي النظام بسبب ملاحقتها من قبله، لتوجّه زوجها السياسي المعارض.
تروي لنا زوجة أخيها عن معاناة عائشة فتقول: "ظَهَرَ السرطان الجلدي بدايةً في عنقها، ومع مرور الوقت فقدت عائشة القدرة على النطق، فلا نسمع لها شكوى أثناء الألم فقط تنهمر الدموع من عينيها لنشعر لحظتها بألمها، حاولنا التواصل مع منظمات انسانيّة لتأمين تكاليف العلاج أو نقلها إلى تركيا لتلقي العلاج على حسابهم، فكان ردهم بأن زوجها المعتقل يجب أن يكون تابع لفصيل معارض مسلّح حتى يتم علاجها على نفقة المنظمة"..
وتضيف زوجة الأخ: "حاولنا التواصل مع أفراد بالمنظمات، عسى أن يشفقوا على أطفالها الثلاث الذين باتوا يتهرّبون من رؤية امهم، بسبب تفاقم المرض الذي غطى معظم أجزاء جسدها، لكن ما من أحد لبّى نداء استغاثتنا. فما كان منّا الا الجلوس، والدعاء لها بالشفاء.. بعد مرور مدّة من الزمن، سَمع أحد الأشخاص بحالتها، وأتى إلينا محاولاً تقديم المساعدة فشرحنا له عن حالتها، وقرر نقلها إلى أحد المشافي التركيّة الحكوميّة، و تكفل بمصاريف السفر والإقامة".
ذهب المتبرع ليتمّ إجراءات السفر، وعاد بعد ثلاثة أيام فلم يجد أحداً من أقارب عائشة، وعند سؤاله لمختار المخيّم عن عائشة أجابه بأنها فارقت الحياة في الليلة الماضية، وأن عائلتها ذهبت لدفنها.. لا برميل سرق روحها من طفلتها الرضيعه، ولا قذيفة عمياء، ولا حتى رصاصة قنّاص، توفّيت عائشة بعيدة عن ضجيج الحروب، تسمع أنين ألمها الذي رافقها منذ ما يقارب السنة دون أن يساعدها أحد. فارقت الحياة بعيدةَ عن قريتها وبيتها وزوجها المعتقل، الذي كانت تتذكّره بكلماتها الأخيره قبل أن تفقد النطق فتقول: (ليته كان معي ليكون سنداً لي فأطمئنّ على أولادي عندما أفارق الحياة).