يتسائل مواطن موصلي في حديث له مع "أخبار الآن": "هل يعرف عناصر داعش معنى المدنية؟" ويضيف: "منذ دخولهم إلى الموصل قبل نحو ثلاثة أشهر باتت جميع الخدمات شبه معدومة في المدينة سواء أكانت طبية أو بلدية أو الكهرباء وغيرها كثير، فلم يعد هنالك فرق بين الحياة في العصور القديمة وحياتنا اليوم".
في حين لم يستطع محمد الراوي كتم تأوهه بسبب ألم في عموده الفقري. الراوي الثلاثيني كان قد حجز موعداً لاجراء عملية جراحية في إحدى مستشفيات الموصل الحكومية قبل إجتياح تنظيم داعش لها حزيران الماضي، إلا أن الزخم الحاصل على المستشفى في وقتها جعل موعده يؤجل إلى حين أخر حتى دخل داعش وتأجلت عمليته إلى إشعار أخر غير معلوم بحسب ما قاله له أحد عناصر داعش له، وقال الراوي في حديث خص به "أخبار الآن": "لم أستطع إجراء العملية بسبب سيطرة عناصر داعش على المستشفى التي صارت مختصة بمعالجة هؤلاء المسلحين المصابين جراء عمليات القصف الجوي على مقراتهم"، وإستدرك قائلاً: "تارة يمنع الدواعش الناس من دخول المستشفى وتارة أخرى يتذرعون بنفاذ المادة المخدرة الضرورية في العمليات الجراحية، وها أنا أقف عاجزاً بين ألم عمودي الفقري و أوامر هؤلاء الحمقى".
الخدمات الطبية لم تكن العائق الوحيد أمام المواطنين في الموصل، فالكهرباء صارت ضرباً من الخيال بحسب وصفهم، فمعدل وصول الكهرباء لمدينة الموصل وصل إلى ساعتين فقط مقابل إنقطاع بنحو مائة وعشرين ساعة، الأمر الذي أدى إلى العودة الى إستخدام ما يعرف بـ "الفوانيس" لإضائة المنازل ليلاً إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أن المولدات الكهربائية التجارية تجهز المواطنين بسبع ساعات فقط تنتهي مع حلول الحادية عشر ليلاً بسبب قلة زيت الغاز المستعمل لتشغيل المولدات، و أفاد مصدر تابع لمديرية كهرباء نينوى طلب عدم الكشف عن إسمه في حديث مع "أخبار الآن" عن أسباب الإنقطاعات الطويلة للكهرباء فقال: "هنالك اسباب عدة أدت إلى إنقطاع التيار الكهربائي عن الموصل بهذا النحو، ولعل أبرزها أمر صادر من وزارة الكهرباء في بغداد إلى منظومة (تازة) الكهربائية في كركوك بعدم تجهيز محافظة نينوى، و ايضا بسبب الأضرار التي حدثت في المنظومة الكهربائية للمدينة والناتجة عن القصف الجوي الحكومي الذي عادة ما يخطئ مقرات داعش ليصيب الدوائر الخدمية، فضلاً عن ان سد الموصل يعمل باقل من ربع طاقته الإنتاجية وبمعدل انتاج يصل إلى مائة ميجا واط فقط بسبب قلة منسوب المياه في السد".
هذا و تشهد المدينة إرتفاعا واضحاً في أسعار المواد الغذائية، فبعد أن نفذت مخازن الموصل إتجه التجار إلى مدينة كركوك لإستيراد تلك المواد بإعتبارها المنفذ الوحيد الحالي إلى الموصل، إلا أن تنظيم داعش فرض الجزية على الحمولات الداخلة الى المدينة بأنواعها، ما أضطر الكثير من التجار إلى العزوف عن الإستيراد أو رفع أسعار البضائع المستورة بحجة أن داعش تفرض عليهم مبالغ قد تصل الى 10% من السعر الإجمالي لبضاعتهم، ويقول تاجر موصلي لـ"اخبار الان" بعد ان طلب إخفاء هويته كاجراء احترازي: "الدواعش يفرضون علينا الجزية بما مقداره 10% وهذا العبئ يضاف إلى خطورة الطرقات الخارجية التي يسلكها سائقوا المركبات التي تنقل بضائعنا والذين يطلبون مبالغ إضافية كبدل خطورة، فنضطر لرفع سعر البضاعة حين نبيعها داخل المدينة فيكون ضحيتها الوحيد هو المواطن"، وأضاف "الدواعش لم يأتوا من أجل سواد عيوننا بل لنفخ جيوبهم عبر سرقة المدينة".
في حين سجلت المحروقات أسعاراً عالية في المدينة بشكل ملحوظ، فقد وصل سعر لتر البنزين الى الف وسبعمائة وخمسون دينار عراقي في السوق السوداء، بعد ان اغلقت جميع محطات الوقود أبوابها في المدينة، وفي الوقت الذي كان سعره قبل أحداث الموصل الأخيرة لا يتجاوز ٤٥٠ ديناراً، فيما سجل سعر أنبوبة الغاز المستعمل للطهي أكثر من ٤٠ الفاً بعد أن كان سعرها لا يتجاوز ٥ آلاف دينار، وقال المواطن عبد الله كامل لـ"اخبار الان": "لم أعد أشتري أنابيب الغاز بسبب شدة إرتفاع أسعارها، ولجأت إلى وسيلة قديمة كانت تستعملها جدتي بطهي الطعام ألا وهي الـ(جولة) أو ما يعرف باللهجة السورية بـ(ببور الكَاز)، فأنا لا استطيع شراء أنبوبة غاز بعد أن أصبحت عاطلاً عن العمل بشكل كلي".
وكانت أزمة مياه الشرب في الموصل قد شهدت إنفراجا في الأيام الماضية بعد أن وصلت ذروتها في الوقت الذي قصفت فيه طائرات حكومية محطات تصفية المياه في المدينة بسبب وجود عناصر داعش هناك.