تعيش دمشق على وقع أنغام المعارك والقصف وارتدادات الثورة منذ اندلاعها على الرغم من أنها لم تدخل في معتركها إلا لفترات قصيرة ومتقطعة فالوضع الأمني المتدهور من جهة وأصوات القصف والاشتباكات من جهة أخرى كانت عوامل ساهمت بجعلها ترقص على أنغام المعارك في الريف، إضافة إلى الازدحام الخانق في كل الشوارع والأحياء والأزقة والغلاء الكبير بالأسعار الذي لم تشهده العاصمة من قبل فيما يوحي صخب المراكز التجارية والأسواق المزدحمة بحياة طبيعية خالية من أية مشاكل تذكر يتخللها لحظات من الخوف من هجوم بات وشيكا على قلب العاصمة.
فبعد بدء قوات التحالف بهجماتها على شمال سوريا سادت حالة من التوجس والترقب شوارع العاصمة ووجوه الناس هناك فعلى الرغم من تصريحات الحلفاء المتكررة بأن الضربات ستقتصر على مناطق الشمال ولن تستهدف أي نقط أو تجمعات للنظام إلا أن الأجواء العامة كانت متخوفة من عمل مفاجئ في دمشق سيما وأن قوات المعارضة تقدمت بشكل كبير من جهة الشرق وقامت بتحرير بلدة الدخانية وأجزاء من جرمانا والتقدم أيضاً من ناحية فرع المخابرات الجوية على طريق دمشق حمص شمال العاصمة وقامت فرقة من المعارضة بالتقدم وشن هجوم على تجمع لقوات النظام في الميدان أواخر الشهر الفائت، لكن كل هذه التخوفات تلاشت مع مرور الأيام فسكان العاصمة على مايبدو اعتادوا على أجواء الحرب والقصف والاشتباكات المستمرة على أطراف المدينة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
عدد كبير من السوريين النازحين من مناطق أخرى جاء إلى العاصمة دمشق واستقر فيها على الرغم من المضايقات الأمنية اليومية وغلاء الأسعار والاكتظاظ السكاني إلا أن الحاجة للعمل والمآوى دفعت هؤلاء إلى البقاء مع أهل المدينة التي تتعرض بشكل يومي لقصف بالهاون والقذائف الصاروخية وتخلف دماراً كبيرا بالاضافة الى الشهداء والجرحى لكن حالها حال باقي المناطق الأمنة القليلة المتبقية في سوريا.
نمط حياة يكاد يكون اعتيادي في العاصمة دمشق تشوبة بعض المؤثرات المذكورة بين فينة وأخرى لكن هذا لايعني على الاطلاق أن المدينة بمعزل عن الأحداث المحيطة بها ولا يعني أنها بطبيعة الحال مؤيدة للنظام بحسب مايحاول البعض أن يروج، لكنها بمعظمها تناوئ النظام وخرجت ضده منذ بداية الأحداث لكن استراتيجية النظام الهادفة الى تحصين العاصمة واعتبارها القلعة الاساسية في الدفاع عنه منعت الحركة الاحتجاجية من التنامي في دمشق ولا يكاد يمر يوم دون تسجيل اعتقال العشرات من الشباب من أهالي العاصمة واللاجئين من المناطق الثائرة فكيف لمنطقة موالية أن تشهد عشرات حالات الاعتقال يومياً.
اكثر ما يقلق السكان ويخيفهم في دمشق هو الاعتقال فالحواجز المنتشرة في دمشق باتت مافيات حقيقية تقوم بالاعتقال والابتزاز والتبادل والسمسرة والنصب والاحتيال فمن الممكن جداً أن يتعرض اياً كان للاعتقال دونما أي سبب فقط بغرض الابتزاز والحصول على مبالغ مادية كبيرة لكن عند عدم القدرة على الدفع تتحول القضية الى إرهاب وأمن دولة وضياع في غياهب المعتقلات، حتى المناطق المهادنة والتي وقعت اتفاقيات للافراج عن المعتقلين بات أهلها هدفاً لحواجز النظام، حيث لوحظ تزايداً كبيراً في حالات الاعتقال في تلك المناطق وخاصة في حي برزة، فيما تزايدت وبشكل ملحوظ حالات اعتقال السيدات والفتيات، آخر هذه الحالات كانت اعتقال سيدة كانت برفقة ابنتها من أحد المحلات التجارية في وسط دمشق واقتيادها الى جهة مجهولة ومصادرة سيارتها دون أية تهمة او أي شبهة حتى.
وكان للشباب النصيب الكبير من الاعتقال إذ تقوم الحواجز النظامية باعتقال كل من تتراوح أعمارهم بين 25و40 عاماً بداعي الاحتياط! وهذا إن كان يدل على شيء فإنه يدل على نفاذ المخزون البشري من الجنود عند الأسد.
من جهة أخرى ومع امتداد الحرب واشتدادها وما رافقها من انهيار لليرة السورية وفقدان عدد من السلع والمواد الاساسية من الأسواق، كان ارتفاع الاسعار جنونياً في دمشق فارتفعت كل المواد بنسبة 400% وارتفعت أسعار بعض المواد الأخرى بنسب وصلت الى 1000% كالأدوية، وهو مادفع عدداً من أهالي المدينة والتجار إلى مغادرتها وسحب استثماراتهم منها، لكن ليس كل من ينوي المغادرة يستطيع أن يغادر، فمعارك الكر والفر على أطراف العاصمة أدخلتها في دوامة من اللا استقرار والاستنفار الدائم على الحواجز المحيطة بها خاصة والمتواجدة داخلها بشكل عام..
معارك الدخانية الأخيرة سببت حالة هيستيرية من الرعب لدى أهالي المنطقة، وشوهدت حالات نزوح جماعية ضخمة بمجرد السماع بدخول قوات المعارضة للمنطقة، وهو مايدل على حالة الترقب التي تشهدها المدينة وبطش الأسد وعنفه في التعامل مع أي تهديد للعاصمة، فها هي مناظر الدمار والخراب في منطقة جوبر تكاد ترى من كافة ارجاء دمشق، حيث يحاول الأسد تسوية الحي بالارض، في سبيل اقتحامة والسيطرة علية، لتبقى في النهاية معارك استنزاف الدم هي الأوسع في دمشق!