يعود مجدداً مخيم اليرموك لللاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق ليتصدر قائمة أهم الأخبار على الساحة السورية، ولكن هذه المرة ليس هناك حالات وفاة من الجوع، بل إن الأجواء القريبة تخبئ أشكال عنف أكثر دمويةً تتوعد بها القوات السورية مخيم اليرموك المحاصر منذ عامين.
يشهد المخيم اليوم حصاراً خانقاً متعمداً تفرضه القوات الأمنية السورية بمساعدة بعض الفصائل الفلسطينية الداعمة لبشار الأسد. بعد أن هجره عدد كبير من أهله إثر غارتين جويتين لطيران الميغ ضربته في أواخر عام 2012، وحول القصف المدفعي والصاروخي جزءاً كبيراً منه إلى ركام، إضافةً لسياسة التجويع حتى الموت المتبعة للضغط على أهالي المخيم.
"يصعب علينا تخيل حياة الناس العالقين داخل المخيم لولا وسائل التواصل الاجتماعي التي تصلنا بهم، نستطيع أن نعرف أخبارهم عموماً ولكن يصعب فهم الطريقة التي يعيشون فيها داخل مدينة محاصرة تخلو من الطعام والشراب، حتى أقل مقومات الحياة قد فقدت منها". هذا ماعبرت به إحدى المتطوعات من الهلال الأحمر السوري الذي يساهم في إدخال مساعدات لأهالي المخيم بشكل دوريّ. وتكمل: وعلى هذا المنوال تمر الأيام القاسية في المخيم. جوع وعطش وقلة موارد، والأموات بازدياد.
تغيير شكل الهجوم
اليوم تتجه بوصلة الحرب السورية التي يشنها الأسد وقواته على الأرض إلى مخيم اليرموك، حيث استطاعت أخبار الآن التأكد من خبر يفيد بأن الجيش السوري يجهز عتاده لاقتحام مخيم اليرموك ويريد إنهاء التواجد المسلح فيه نهائياً.
ومن دلالات ذلك أن قوات الجيش اقتحمت كل من منطقتي القدم ونهر عيشة المتاخمتين لمخيم اليرموك، وقد أعلنت ذلك بهدف زيادة الضغط والحصار على المخيم. وعلى أثر ذلك ولليوم الرابع على التوالي لم يتوقف القصف المدفعي على عدة مناطق من جنوب العاصمة وخصوصاً مخيم اليرموك ومناطق أخرى متاخمة له، مثل القدم ونهر عيشة والحجر الأسود.
هل سيكرر النظام السوري تاريخه ويعيد سيناريو تل الزعتر؟
لم يمر يوم على مخيم اليرموك دون أن تحدث فيه حالة وفاة، ودائماً الطريقة مختلفة، بدايةً من الموت جوعاً وانتهاءً بإعدامات ميدانية من جبهة النصرة التي أخذت تفرض أحكامها وتعدم شبابًا من أهل المخيم. وبعد ذلك تحدث حالات قنص من قبل قوات النظام المتواجدة على مقربة من المخيم. هذا الأمر يعيد إلى ذاكرتنا مجزرة تل الزعتر التي شاركت فيها القوات السورية في أوائل الثمانيات وكانت مساهمًا فعليًا في قتل المئات من الفلسطينين عطشاً وقنصاً.
ذاكرة العنف والقتل ذاتها تتكرر اليوم في مخيم اليرموك، وما تتوعد به القوات المحاربة على الأرض لن يكون سهلاً، خصوصاً وأنها بدأت تستقبل متطوعين لمايسمى جيش الدفاع الوطني في المناطق المؤيدة القريبة من المخيم مثل التضامن شارع نسرين، ودف الشوك والزاهرة. فربما بعد أيام سيغرق القسم الجنوبي من العاصمة في معركة عسكرية ستكون الأشد والأعنف.
ومثل كل معارك النظام لن يستطيع التقدم ولن يستطيع أن يضع حداً للتواجد المسلح في المنطقة التي يدخلها، ولن يكون الضحايا إلاّ المدنيون المحاصرون.
إذا حدث ما تخطط له قوات النظام فيصبح هناك كارثة إنسانية جديدة تشهدها العاصمة دمشق لأن مساحة كبيرة من مناطقها تخضع لحصار وإغلاق طرقات ومناطق كثيرة يمنع فيها الدخول والخروج للمدنيين. لذلك يعتبر جنوب العاصمة دمشق جهة غير مطمئنة ومتوترة يصعب على النظام تركها هكذا. خصوصاً بعد حدوث اشتباكات في الصيف الفائت بين الجيش الحر وقوات الدفاع الوطني إثر اكتشافهم لعملية تسلل بعض عناصر الجيش الحر إلى منطقة الزاهرة.
وخوفاً من احتدام المعارك وتطورها بشكل مقلق قاموا بإخلاء جزء كبير من المنطقة وتم قصفها بالآليات الثقيلة. وهذا مايخافه الجميع اليوم، فلن ينتج عن حروب الأسد العبثية إلا دمار البنية التحتية وقتل المزيد من المدنيين، ورغم المحاولات العديدة المنادية بتحييد مخيم اليرموك عن دائرة الصراع السوري. لم يجدي كل ذلك نفعاً في عقلية الأسد الدموية.