أخبار الآن | حلب – سوريا – (جلال زين الدين)
كثيرة هي آلام السوريين، إذ لم تبق شريحة في المجتمع إلا وذاقت العذابات، ولعل المعلمين من أبرزها، فقد كان لهم بصمة واضحة في الثورة السورية منذ أيامها الأولى، فقادوا المظاهرات، وأثاروا الجماهير، فدفعوا ثمن ذلك سواء في ظل نظام الأسد أو تنظيم البغدادي.
قيادة الحراك السلمي
المعلمون أبرز ضيوف المعتقلات بعد طلاب (أطفال) درعا بسبب نشاطاتهم الفاعلة في تأجيج الحراك السلمي، يقول المعلم حسان من مدينة منبج: "المعلمون أكبر شريحة مثقفة تعرضت للاعتقال والتعذيب، وهم أكبر شريحة في القطاع العام أُوقفت رواتبها، فقد وصل عددهم لعشرات الآلاف، وكان نصيب منبج وحدها المئات" فمنهم من عوقب بسبب مقالة أو قصيدة أو خطبة أو موعظة في عزاء شهيد.
ومع تحول الحراك السلمي لحراك عسكري انخرط عدد من المعلمين فيه، وأصبح منهم قادة عسكريون كالأستاذ أحمد عبيد مدرس الفيزياء الذي تولى قيادة لواء عمرو بن العاص في أعزاز.
المعاناة في ظل تنظيم داعش
واستمرت المعاناة مع فرض التنظيم سيطرته على أجزاء كبيرة من سورية، حيث نسفت جهود كل المعلمين الأحرار، وزُج بقسم كبير منهم في سجون التنظيم بدعوى الديمقراطية والعلمانية والعمالة للائتلاف والجيش الحر، يقول الأستاذ أبو صلاح من مكتب التربية الحرة: "قدمنا ما نستطيع من دعم للعملية التربوية في المناطق المحررة، بدءاً من توفير المستلزمات، وإجراء الامتحانات، وتأمين الدعم المادي للهيئات التطوعية، واليوم نعد خونة من وجهة نظر التنظيم" فلم يعترف التنظيم بكل مؤسسات الثورة بما فيها الإنسانية الخدمية.
كما قام التنظيم بإغلاق مؤسسات التعليم الأجنبية رغم موافقتها على شروط التنظيم مما أدى لحرمان مئات المعلمين من مورد رزق، ولم يكتف التنظيم بذلك بل زجّ قسماً من المعلمين بالسجون دون محاكمة بتهمة العمالة للخارج، وأدت هذه الإجراءات لموجة جديدة من النزوح والهجرة، فهاجر عدد من المعلمين لمناطق النظام أو الجيش الحر أو تركيا، يقول المدرس أبو أحمد من ريف حلب الشرقي: " بعد زج زملائي في سجون تنظيم داعش لآنهم كانوا يعملون بمنظمات إنسانية، وبعد قرار إغلاق المدارس سأسافر إلى تركيا من أجل مستقبل الأولاد وأبتعد عن جو السجن الكبير الذي نعيشه" فلم يعد أمام قسم كبير إلا الهجرة أو الانخراط في صفوف التنظيم، وتبني خطابه.
عمل صعب، وخيارات مؤلمة، وأفق مسدود.
أجبر التنظيم المعلمين على اختلاف اختصاصاتهم وأعمارهم الخضوع لدورات شرعية والنجاح بها حتى يسمح لهم بالتدريس، يقول الأستاذ حسن ح: " بعد خبرة ثلاثين سنة في التعليم أنا بحاجة لدورة مدتها أسبوعان كي أصلح للتدريس؟! إنه القهر والاستبداد الفكري، فمعظم المتدربين يفوقون المحاضر علماً وثقافة" وشبه المعلمون هذه الدورات بدورات التثقيف الحزبي التي كان يجبر النظام العاملين في الدوائر الرسمية على حضورها.
وتعرض المعلمون ولا سيما الإداريون لضغوط كبيرة، يقول الأستاذ محمود م مدير مدرسة في مدينة الباب: " يتولى رئاسة ديوان التعليم أشخاص لا يملكون المؤهلات اللازمة، فليس مقبولاً أن يتحكم ويُسَيِّرَ طالب جامعي في السنة الثانية أو الثالثة مدراء ومدرسين خبرتهم بعمره" فقد تدخل التنظيم بكل شاردة وواردة وضيق على المعلمين، وتعامل معهم على أنهم أزلام النظام لا أساتذة مربون.
وجاء قرار إغلاق المدارس الحكومية والخاصة ليزيد من معاناة المعلمين، وخياراتهم الصعبة، فوجدت فئة أخرى من المعلمين نفسها دون عمل، ووجهت إليهم إهانة جديدة فأرجع قسم من المشرفين على التعليم في داعش قرار إغلاق المدارس للمعلمين الذين وصفهم بالمنافقين والدجالين لعدم التزامهم بالتعليمات الشرعية، كان هذا قبل أن يصدر تعميمه على المواطنين وطالب فيه المعلمين بالتوبة، والخضوع لدورة استتابة شرعية وعرضهم على اللجنة الشرعية لتثبت صلاحيتهم للتدريس وفق مؤهلاتهم العلمية، يقول الأستاذ م هـ مدرس رياضيات: " لا أعلم ما الذي فعلناه ويتطلب التوبة، فهل تدريس الرياضيات وعلمي الجبر والهندسة لأبناء المسلمين شرك وزندقة حتى أعلن توبتي؟! ثمّ إن التوبة بين العبد وربه وليس بين يدي التنظيم" ووضع القرار الأخير المعلمين في زاوية ضيقة، فهم بين نار التدريس في مدارس التنظيم وبين نار قطع رواتبهم، وقطع كل صلة مع التربية الحكومية. والقسم الأكبر لا يجرؤ على رفض التدريس في مدارس التنظيم، فقد يعتبر التنظيم ذلك مؤشراً على عداء المعلم للتنظيم والولاء للنظام السوري مما يدخله في متاهات لا تحمد نتائجها.
ويتخوف المعلمو أن يقوم النظام بقطع رواتبهم نتيجة قرار التنظيم إلزامهم بحضور الدورة الشرعية (الاستتابة)، ووضعهم على لائحة الإرهابيين المطلوبين، فهم لا يستطيعون العمل في المدارس التي ينوي التنظيم افتتاحها، كما أنهم لا يستطيعون الهجرة لمناطق النظام لأسباب اقتصادية وأمنية ونفسية، وفي هذا الصدد يقول الأستاذ مهند من ريف حلب الشرقي: " لا نتقن سوى التدريس، كما أنّ العمر لم يعد يسمح لنا البدء بحياة جديدة، أشعر كأن الدنيا سُدَّتْ بوجهنا" فيعيش المعلمون في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم من ضغوط نفسية ومادية وأمنية لا يدركون أبعادها ولا يعلمون متى تنتهي، وأين سيستقر بهم المركب.