أخبار الآن | ريف دمشق – سوريا (أيمن محمد)

لم يعد بإمكان "رغد" ذات السنتين ونصف المشي أو حتى الحركة أحياناً، فقط البكاء هو كل ما يمكن أن تعبر به عن آلامها، دون معرفة والدتها ما تعانيه الصغيرة، وكل الأعراض تشير إلى الانفلونزا، وصداع وتقلب في الأكل، وعدم استقرار في النوم يرافقه قلق دائم.

رغد الصغيرة، طفلة من الغوطة المحاصرة، لا تدرك، ولا أهلها، أنها تعاني من مرض قاتل، أودى بحياة البعض من مدنيي الغوطة تحت حصار خانق قلما يتواجد جراءه الدواء والغذاء، وكل الأعراض هي أعراض أنفلونزا، لكن الأطباء شخصوا الحالة بأنها "متلازمة غيلان باريه" المرض الصامت القاتل، بأعراضه البسيطة المشابهة للأنفلونزا أو "الكريب".

ما هو متلازمة غيلان باريه؟

"Guillain – Barre syndrome"، التهاب الأعصاب الحاد المزيل للنخاعين، هو أحد أمراض الأعصاب الحادة غير معروفة الأسباب، يصيب كل الأعمار، ولكن تزداد الإصابة به عند الأطفال، ويؤدي لشلل في الأجزاء المصابة، ثم يمتد لجميع أجزاء الجسم.

وفي هذه الحالة يكون هناك التهاب حاد للأعصاب، مما يؤدي لإزالة النخاعين، وهو الغشاء الذي يغطي، ويحمي الأعصاب، وعادة يبدأ على مستوى الجذور العصبية، ثم يمتد للأعصاب المحيطية، وقد يشمل الأعصاب القحفية، والجسمية، والذاتية.

وعادة ما تظهر علامات الإصابة في الجزء السفلي (الأرجل) حيث يلاحظ وجود شلل في الأجزاء المصابة، ثم يرتقي إلى الأعلى خلال أيام أو أسابيع إلى الأجزاء العلوية من الجسم، وقد ينتج عنه شلل كامل للجسم بما في ذلك عضلات الوجه، والفم والبلعوم، والجهاز التنفسي، ولكن يلاحظ عدم تأثر عضلات العين الخارجية، أو المصرة (البول والبراز).

وبحسب "مركز دار الرحمة الطبي" لمعالجة الأمراض الخبيثة، والأورام السرطانية في غوطة دمشق المحاصرة، فإن "متلازمة غيلان باريه مرض عصبي نادر، تقدر نسبة الإصابة فيه واحد لكل خمسين ألف شخص، وسجلت الإحصائيات 9 حالات متوزعة بمختلف مناطق الغوطة في عام 2013، ومع بداية شتاء 2014 – 2015 وثق المركز 3 حالات فقط في شهر كانون الأول".

المركز يدق ناقوس الخطر

الدكتورة "مها سليمان" الطبيبة المشرفة في المركز تحدثت لـ "أخبار الآن" وقالت: "هناك حالات تم الكشف عنها بشكل مبكر، وأعطيت مقويات اعصاب مع فيتامينات مع التركيز على B12، والتغذية الجيدة من أجل دعم مناعة الجسم، والخوف من الحالات التي لم تشخص لقلة الاختصاصات الطبية".

وتضيف الطبيبة: "اليوم ندق ناقوس الخطر لعودة هذا المرض، حيث تجاوزت النسبة المسجلة النسب الطبيعية، ونذّكر أن الحالات التي وثقت تلقت العلاج، ولكن في حال سجلت حالات إضافية، لم يعد يتوفر لدينا في الغوطة العلاج، وخاصة ان العلاج نوعي، وليس من السهل تأمينه".

وعن أسبابه، تقول "سليمان": "هي حالة مرضية غير معروفة الأسباب، غالباً نتيجة نقص المناعة الذاتية، ولكن غير معروف كيفية حدوثه، ويلاحظ ظهور الالتهابات الفيروسية مثل الأنفلونزا، كوكساكي بمدة 1-3 أسابيع، بالإضافة لالتهاب المعدة، والأمعاء بالبكتيريا المسماة الكامبيلوباكتر، كما يزداد حدوثه على خلفية الإصابة بـ (اللمفوما، هودجكن، الذأب الحمامي)، بعد عمل جراحي بمدة 1- 4 أسابيع".

مراحل المرض واعراضه

تقول الطبيبة: "هو مرض يحدث بشكل سريع وحاد، وقد لا تلاحظ المراحل الأولى منه، حيث يبدأ بمرحلة الحمى، وتكون الأعراض غالبا في هذه المرحلة الى حد كبير شبيهه بالأعراض المرضية للأنفلونزا الحادة، وارتفاع في درجة الحرارة، وصداع شديد، ودوار، وآلام منتشرة في جميع أعضاء الجسم".

وتضيف:" المرحلة الثانية هي (الاحتضان)، حيث يصبح المريض في هذه المرحلة شبه طبيعي، وتختفي جميع الأعراض السابقة، ومدتها ما بين أسبوع الى أربع أسابيع، لتبدأ مرحلة (الشلل) وينتهي بشلل الوجه، والفم، والبلعوم، ثم يؤدي للوفاة، نتيجة لتوقف عضلات التنفس".

"محمد" ذو الـ 18 عاماً هو الآخر يعاني من المرض ذاته، وبلغ به مراحل متطورة أنهك جسده، ومع تلقيه العلاج يبقى التخوف من عودة المرض احتمالا واردا، وسط انعدام تام للدواء في الغوطة عموماً، ليبقى "محمد" بانتظار الأيام القادمة تحت المراقبة، ورهينة نقص العلاج والغذاء.

رغد الصغيرة احتاجت 6 فلاكونات (قوارير علاج المرض) بانتظار التحاليل المخبرية لمعرفة النتيجة، بينما يحتاج الانسان البالغ لـ 18 فلاكون كحد أدنى من العلاج كحالة "محمد"، وكل قارورة دواء تقدر بـ 6000 ليرة سورية، ومع ذلك فالدواء غير متواجد، ويتطلب إدخاله إلى الغوطة المحاصرة اضعاف السعر لإرضاء رغبة تجار الحروب، والأرواح.

وفي حال لم يتم تأمين الدواء لمرضى لازالوا يعانون، وآخرون لم تتم تشخيص حالتهم، سيبقى "غيلان باريه" شبح يهدد أطفال غوطة دمشق كطيران بشار وأسلحته، وتبقى رغد، وغيرها رهائن موت يتربص بهم حصاراً، ومرضاً، وجوعاً.