أخبار الآن | سوريا – ريف دمشق (أحمد الدمشقي)
انطلقت منذ أيام في بلدة الهامة في ريف دمشق الغربي حملة كبيرة من عدة مراحل لزراعة مئات الغرسات من أشجار الجوز، والصفصاف، والزيتون، والحمضيات، على ضفاف نهر بردى الذي يمر من البلدة، وعلى الأرصفة، وبعض المناطق الأخرى الغير مزروعة.
وجاءت الحملة، بحسب عدد من الناشطين، لتشجيع الأهالي على الزراعة في ظل الحصار، ولتعويض العدد الكبير من الأشجار التي تم قطعها هذا الشتاء لاستخدام خشبها لأغراض التدفئة والطبخ، بسبب انعدم المحروقات والغاز المخصص للطهي، وسميت الحملة "ظرفك جبرك تقطع بس ما بيمنعك تزرع"، ولاقت إقبالاً كبيرا وحققت نتائج جيدة جداً.
"أخبار الآن" التقت المشرف على الحملة "عابد الخطيب"، وتحدث عن عدد من النقاط الخاصة بهذا العمل، مبرزاً أن السبب الذي دفع إلى إطلاق مثل هذه المشاريع هو شبه الحصار المفروض على المنطقة، وانقطاع الوقود المخصص للطبخ والتدفئة بشكل كامل، والذي دفع الأهالي والنازحين إلى البلدة لقطع الأشجار، واستخدام أخشابها للتدفئة، ومع تحول الأجواء إلى جليدية معظم فترات هذا الشتاء، وقدوم عدد من العواصف، زاد القطع بشكل كبير، فأصبح نهر بردى شبه عارٍ من الغطاء النباتي بعد أن كان مغطى بشكل كامل بأنواع مختلفة من الأشجار تغنى بجمالها وحسنها عدد من الشعراء، وهنا كان لا بد من التحرك لتدارك الموقف، فقام مكتب الدفاع المدني في البلدة بالتخطيط لحملة التشجير، لتعويض الأشجار التي قطعت، وزراعة أنواع أخرى من الأشجار ضمن الحملة لتشجيع الزراعة وتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي.
وقال الخطيب إن عدة أنواع من الأشجار، تم قطعها كالصنوبر والسرو على ضفاف بردى، ومنها المثمر كالزيتون من مزارع البلدة، وسجل قطع ما يزيد عن 300 شجرة كبيرة تصل أعمار بعضها إلى مئة سنة، مشيراً إلى أنه مع النجاح الذي حققته المرحلة الاولى والثانية في تشجير ضفاف بردى، تقرر توسيع الحملة لتشمل زراعة الحمضيات، وأشجار الزيتون في المزارع، وعلى أرصفة الطرقات، والمنصفات.
ونوه الخطيب إلى أنه في مطلع الشتاء كان هناك نوع من التنظيم في عمليات القطع، لكن العواصف المتتالية والبرد الشديد دفع الناس للقطع بشكل عشوائي وكثيف مع عدم قدرة المجلس المحلي على منعهم بسبب سوء الأوضاع.
وتحدث الخطيب لـ"أخبار الآن" عن ازدهار الزراعة بشكل كبير جداً نظراً للظروف التي تمر بها البلدة من حصار وتجويع للأهالي، وغلاء كبير في أسعار معظم المواد المزروعة، منوهاً إلى تحول كل أراضي الهامة إلى أراضٍ مزروعة بمختلف أنواع الخضرة والفاكهة تستخدم بشكل كامل للاستهلاك داخل البلدة، وسد حاجة الناس اليومية.
وأوضح الخطيب أنه تم زراعة ما يقارب 1500 شجيرة من الجوز والصفصاف على أطراف نهر بردى، ويجري حالياً زراعة المئات من أشجار الزيتون والحمضيات على الأرصفة، وفي المزارع والمساحات القابلة للزراعة، كما دعا الخطيب مختلف المناطق المحاصرة في سوريا إلى التشجير لتعويض الغطاء الأخضر المفقود، والاعتماد على الزراعة لتأمين الاحتياجات اليومية بعد النجاح الذي حققته الهامة في هذا المجال.
وختم الخطيب حديثه بالإشارة إلى أن كل من شارك في هذه الحملة هم من المتطوعين المدنيين، بالإضافة لعدد من عناصر الجيش الحر، حتى التمويل كان عبارة عن أموال تم استلامها من بعض ميسوري الحال في البلدة لعدم توفر الدعم، وضيق الوقت المخصص من السنة لزراعة الاشجار.
وتشهد مختلف مناطق سوريا، وخاصة المحاصرة منها، عمليات قطع جائرة للأشجار وبشكل غير مسبوق، وهو ما يهدد بامتداد التصحر، وفقدان قسم كبير جداً من الغطاء النباتي، بما فيه الغابات، ففي برزة شمال دمشق تم قطع المئات من أشجار الزيتون المعمرة والتي يصل عمرها الى 1000 سنة لاستخدام أخشابها للتدفئة، فيما قام النظام سابقا بجرف ما يقارب 3000 شجرة زيتون معمرة اثناء معارك الحي مع قوات الأسد لخلق مساحات مكشوفة أمام منشآته على أطراف الحي، وفي الغوطة تم قطع ألاف الأشجار المثمرة لاستخدامها للتدفئة والطهي، بسبب الحصار الخانق المفروض على الغوطة منذ ما يزيد عن العامين، كذلك الأمر في حمص وريفها حيث سجل قطع آلاف الأشجار، ولم تنجح بعض المحاولات لإعادة التشجير كما في الهامة بسبب محدوديتها، أما في الساحل فقد سجلت عمليات قطع كثيفة جداً مما أدى الى اختفاء غابات كاملة ويقوم بهذه الأعمال عدد من شبيحة النظام والمؤيدين بغرض التجارة بالأخشاب حيث يتم تصدير أخشاب هذه الأشجار إلى باقي المحافظات لاستخدامها للتدفئة والطهي.
نظام بشار الأسد لم يكتفِ بقتل البشر وتدمير الحجر في سوريا، بل وصل به الأمر إلى تجويع الناس وحرمانها، مما دفعها للعودة إلى طرق بدائية في تأمين احتياجاتها، وتعتمد هذه الطرق في معظمها على الموارد الطبيعية المحدودة أمام الانفجار السكاني الكبير الذي من المحتمل أن يقضي على الغطاء النباتي قبل انتهاء سوريا من أزمتها، هذا إن لم يتم التحرك لإعادة التأهيل والتنظيم كما فعل أهالي الهامة بطريقة بسيطة ومبدعة .