أخبار الآن | سوريا – ريف دمشق (يمنى الدمشقي)
لم تختلف الفتن التي أشعلتها بعض القنوات على أرض الواقع عن الفتن التي تشعلها في العالم الافتراضي وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، في حين وجدت قنوات أخرى ألا أمل من أن تتخذ موقفاً موحداً من الثورة السورية فباتت تلجأ إلى دس السم بالعسل فيما تبث وتنشر.
قبل أيام عرضت قناة الميادين المقربة من النظام السوري وإيران وحزب الله فيلما وثائقياً عن الثورة السورية، يحكي قصة خمسة شبان قدموا أنفسهم كعيّنة من الناشطين في الثورة السورية تقاذفتهم بلدان اللجوء واحداً تلو الآخر، بينما بقي شابان منهم في دمشق مع معارضة الداخل أحدهما في هيئة التنسيق والثاني طبيب في تيار بناء الدولة، كما التقت ثلاثة شبان أحدهم مخرِج في تركيا، والثاني مصور في ألمانيا، والثالث ناشط في الثورة السورية.
بدأ عرض الفيلم بتسليط الضوء على شاشة كمبيوتر يجلس أمامها أحدهم وهو يتصفح صفحته الشخصية على موقع فيسبوك، لتعود إلينا الصورة التي كان يظهرها النظام دائماً من أن الثوار هم عبارة عن آلات حركها محرضون على الفيسبوك، كانوا يداومون صباح مساء أمام شاشات الكمبيوتر بانتظار توجيهات الخارج وحوالات قطر كما يدعون، حتى وصل الأمر بغباء البعض من مؤيدي النظام إلى ظن الفيسبوك جهاز تحكم أو اسم شخص!
يتنقل الفيلم بين شاب وآخر ويحكي كل منهم تجربته في الثورة، حيث اتفق الجميع على إسباغ الحلة الدينية على الثورة ونعتها "بالمسروقة" مما أدى إلى تركيز المحطة على هذه اللقطات تحديداً، ثم تتوالى المشاهد عن تجمعات للمتظاهرين وتشييعات للشهداء، ومراكز تدريب لمقاتلي داعش، حيث اختصر الفلم الثورة بداعش، ثم تتنقل المشاهد بين البلدان المذكورة إذ أبدى كل متحدث منهم أسفه على حالة التخبط التي وصلت إليها الثورة حتى وصل الأمر لأن يقول أحدهم "أن هذه الثورة لم تعد تمثلني"، في حين أعرب آخر أن علم الثورة ذو النجوم الثلاث الذي اتخذه الثوار علماً لهم لم يعنهِ يوماً ما في شيء.
بالتأكيد هذا ما كانت تريده القناة التي عرضت الفيلم، وهذا ما ركزت عليه المخرجة بيسان أبو حامد "مخرجة الفيلم" والمعروفة بتشبيحها وتأييدها للنظام السوري.
بعض من ظهروا في الفيلم، أكدوا أن القناة اجتزأت الكثير من المقاطع التي تحدثوا فيها عن دخول الشيعة وعناصر من حزب الله وإيران للقتال إلى جانب نظام بشار الأسد، إضافة إلى مشاهد تحدثوا فيها عن المعتقلين والقمع الذي تعرضوا له في المعتقلات، وأمعنت النظر في تسليط الضوء على الأخطاء التي تحدثوا فيها عن عناصر الجيش الحر، وأبدى من ظهر في الفيلم من الشباب غضبه لما حصل من تشويه لأقوالهم، وتعهدوا بتقديم شكوى قضائية ضد قناة الميادين.
حيث نشر فراس الشاطر أحد الذين ظهروا في الفيلم، تسجيلاً مصوراً يوضح فيه أن المخرجة اجتزأت كلامه عن معتقلات النظام وأساليب تعذيبه وأعداد المعتقلين ومطاردته للمظاهرات، بينما أخذت جملة واحدة لكلام آخر يدعى "مرام" يتحدث فيها عن أن النظام فرغ بضعة أماكن ليمارس المتظاهرون نشاطتهم السلمي!
من جهة أخرى، أثار عرض الفيلم وحديث الشخصيات على هذه القناة ردود فعل غاضبة لدى شريحة واسعة من السوريين، اتهموا كل من ظهر على شاشة الميادين بعدم الوفاء للثورة، وبالطعن بكل من حمل سلاحاً، حيث لم يجدوا مبرراً.
واعتبر الصحفي "غسان ياسين" في تصريح خاص لـ"أخبار الآن" أن الفيلم الذي عُرِضَ أساء إلى الثورة كثيراً، وشوه صورتها من خلال استخدامه لشهادات المشاركين فيه بطريقة تخدم توجهات المحطة التي عرض عليها، حيث أن هذه القناة تعلن عداءها للثورة السورية بشكل واضح وصريح وهي صاحبة فكرة جهاد النكاح والعربة الإسرائيلية في القصير، إضافة إلى الكثير من الإساءات التي ألحقتها القناة بالثوار والثورة، كما ألقى ياسين كل المسؤولية على المشاركين في الفيلم، وبرر ألا عذر لهم للمشاركة في فيلم سيعرض على هذه القناة لأن القناة بالتأكيد لن تعرض ما قالوه ضد النظام، فهل كانوا ينتظرون من قناة كقناة الميادين أن تقول أن بشار الأسد هو من قام بقتل المتظاهرين؟!".
ويتابع ياسين أنه تعرض لذات الموقف في جينيف حيث طلبت منه المذيعة السورية هناء الصالح تصريحاً للتلفزيون السوري متهمة المعارضة بعدم إدلاء أي تصريح على الإعلام السوري، فتفاجأت عندما رددتُ عليها، بطلع بحكي! لكن بشرط، أن يكون اللقاء مباشراً دون تسجيل، لكنها سرعان ما رفضت ذلك وباتت تتحجج، وذكر مثلاً قائلاً، تخيلي لو كنت قلت جملة ((الجيش الحر ضعيف ومفكك لكنه يستطيع الصمود في وجه قوات النظام)) كانت ستأخذ أول أربع كلمات وتسقط الباقي، وتابع أن هذا ما حصل في الفيلم المشبوه، حيث اقتطعت القناة ما يحلو لها من مشاهد وأبقت على ما تهواه، ومن هنا لا مبرر لهؤلاء الشباب أن يظهروا على هذه القناة أصلاً ويقوموا بتسجيل هذا الفيلم".
بينما استنكر آخرون أن يمثل هؤلاء الخمسة شبان الثورة السورية العظيمة التي قدمت مئات الآلاف من الشهداء والمعتقلين، ولازالوا حتى الآن يقاتلون صامدين بوجه الفقر والموت والبرد، دون أن يصرخ أحدهم يوماً عن أن أحداً من المقاتلين سرق حلمهم، بل وجدوا فيهم دوماً من يحميهم، في حين ذهب آخرون ليصدحوا من ساحات أوروبا عن الثورة المسروقة.
فيما شكك آخرون بإخلاص من ظهر في الفيلم للثورة وللوطن، واعترف بعضهم بأن بعض الأشخاص الذين ظهروا كانوا يعملون في ذراع واحدة مع النظام، وتسببوا باعتقال الكثير من الشبان والفتيات في دمشق، وخاصة في منطقة المهاجرين، الأمر الذي جعل دائرة الشك تحوم حولهم من جديد.
في حين وجدت فئة واسعة من المؤيدين أن الفيلم كان اعترافاً صريحاً وعلى لسان من قام بالثورة المزعومة، على حد تعبيرهم، بأنهم خربوا البلد، كالدكتورة نهلة عيسى المعروفة بتشبيحها على الطلبة في جامعة دمشق قسم الإعلام، حيث كتبت للمخرجة "بيسان أبو حامد" على صفحتها على الفيسبوك "الفيلم كان كاشفاً لحقيقة هؤلاء ومدى عارهم وعوارهم وبلاهة فكرهم وكيف باعوا وطنهم ليصنعوا فيلماً" لكن آخرين لم يرق لهم العرض ووجدوا فيه خيانة للوطن أن تتحدث مع هؤلاء الأشخاص وعدم تناول الموضوع بحيادية للتعرف على من ضاع حلمهم من المؤيدين! وتناولوا مخرجة الفيلم بالسباب والشتائم واتهموها بالخيانة لمجرد أنها التقت معهم.
أما أنس العبد الله وهو صديق مقرب للمخرجة، ويتخذ من صفحته على الفيسبوك منبراً لمهاجمة الثورة منذ اندلاعها، فقد اتهم من تحدث على الفيلم بأنهم يمثلون قطيعاً من البقر وبأنهم فضحوا أنفسهم!
وأياً كانت الأسباب التي دفعت هؤلاء الشباب الذين ادعوا أنهم يمثلون أيقونة في الثورة فإنهم تحدثوا عن حلمهم المسروق لكنهم لم يتحدثوا من سرق لهم حلمهم، ومن سرق لهم بلدهم وثورتهم، وأياً كانت الأسباب التي دفعت القناة لتسجيل هكذا فيلم فإنه لن يخفى على أحد أن من سرق الفرح من بيوت السوريين، والطفولة من أطفال سوريا، والأبناء من أحضان أمهاتهم، وسوريا من أبنائها هو وحده المجرم، وحده النظام الأسدي.