أخبار الآن | سوريا – جنوب دمشق (سوزان أحمد) 

يعتبر الأطفال والنساء أكثر عرضة للتأثر بالأوضاع الاقتصادية والأمنية والصحية أثناء النزاعات، وأطفال سوريا ليسوا استثناء. إذ عانى ملايين الأطفال السوريين وما يزالوا يعانون منذ اندلاع الثورة السورية في 2011 وقمعها بعنف على يد قوات النظام حتى 2015. 
وتشير الأرقام والإحصاءات التي وثقتها الأمم المتحدة وعدد من الجهات الحقوقية والإنسانية إلى حجم الكارثة التي يغرق بها أطفال سوريا، وعمق المعاناة التي قد تؤدي إلى ضياع مستقبلهم. 

اعتقال الأطفال وتعذيبهم
وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن النظام قتل خلال عام 2014 وحده 3,629 طفلاً واعتقل 800 آخرين. في حين قتلت داعش 132 طفلا واعتقلت 200. أما جبهة النصرة فقد اعتقلت 63 طفلاً. بينما قتلت القوات الكردية 4 أطفال واعتقلت 48 غيرهم. وقتلت الفصائل المسلحة على اختلافها 291 طفلاً واعتقلت 16. وسُجل موت 162 طفلاً سورياً بطرق مختلفة منها الغرق أثناء الهجرة أو بطرق أخرى. 

و ذكر التقرير الأممي الأول للإنتهاكات في سوريا والذي يغطي الفترة الواقعة ما بين 2011 و2013 كيف أن النظام السوري يعتقل أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم الـ 11 عاماً بذريعة ارتباطهم بجماعات مسلحة إضافة لاستعمالهم دروعًا بشرية؛ ووصف التقرير التعذيب الذي يتعرض له الأطفال في معتقلات النظام من أجل الضغط على أحد الأقارب للاستسلام أو الاعتراف. 

ويشمل التعذيب "الضرب بالأسلاك المعدنية، والسياط والعصي الخشبية والمعدنية، والصدمات الكهربائية، بما في ذلك على الأعضاء التناسلية، وسحب أظافر اليدين والقدمين، والعنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب أو التهديد بالاغتصاب، وعمليات إعدام وهمية، وحروق بالسجائر، والحرمان من النوم، والحبس الانفرادي، ومشاهدة تعذيب الأقارب"، وفقاً لما جاء في التقرير. 

ونشرت إفادات أوردتها تقارير أخرى، تشير إلى أنه تم تعليق الأطفال على الجدران أو الأسقف من معاصمهم أو أطرافهم الأخرى، وأجبروا على وضع رؤوسهم وأعناقهم وسيقانهم في الإطارات حين تعرضهم للضرب، كما تم تقييدهم بلوحة خشبية وضربهم. 

التعليم
تظهر الأرقام والدراسات الحقوقية أن عدد الأطفال السوريين الذين حرموا من حق التعليم تجاوز أوائل 2015 الـ" 3 ملايين" طفل، في حين يحصل قرابة المليون على تعليم بدائي بظروف غير مناسبة وأوضاع أمنية خطيرة كالتعرض للقصف أو في ظل حصار أو في خيم بالية.  

يشار إلى أن أكثر من 5 آلاف مدرسة دمرت بالكامل، وأن مدرسة واحدة من أصل 5 مدارس غير صالحة للاستخدام، في حين أن أكثر من نصف المدارس المتبقية تستعمل كملاجئ. 

ويظهر تقرير للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين "الأنوروا"، أن عدد الأطفال السوريين اللاجئين في دول الجوار والذين لا يذهبون إلى المدرسة، يفوق عدد الأطفال الذين يتابعون تحصيلهم العلمي في المدارس. 

صحة الأطفال
يعتبر الوضع الصحي للأطفال من أكثر المجالات إهمالاً رغم أهميته. فقد سجل إعادة ظهور شلل الأطفال في سوريا بعد أن نجح العالم لسنين من التخلص منه. حيث أوضح تقرير لليونيسيف صادر عام 2012 ولم يتم تحديثه، أنه تم تسجيل عشرات الإصابات بشلل الأطفال في سوريا. وأكد التقرير أن 91% من الأطفال لم يتلقوا اللقاح اللازم بسبب فرض قوات الأسد الحصار على العديد من المناطق، إضافة إلى صعوبة وصول الأهالي لمراكز التلقيح بسبب انتشار الحواجز وتعرضهم لخطر القتل أثناء التنقل. 

وسجلت مئات الحالات المصابة بالتهاب الكبد الوبائي في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرة النظام والخارجة عنها. إلاّ أن المرض تطور مؤخراً في ظل عدم توافر مياه الشرب النظيفة وانعدام الرقابة على نظافة الأطعمة في حال توفرها، فتسبب المرض بقتل العشرات من الأطفال بسبب تطور المرض إلى ما يعرف بـ "التهاب كبد صاعق". 

وانتشرت أعراض سوء التغذية وباتت واضحة على أجساد الأطفال النحيلة، حيث قضى مئات الأطفال تحت الحصار جوعاً ومرضاً منهم قرابة 300 طفل ماتوا فقط في بلدات جنوب دمشق والغوطة المحاصرين، حسب مصادر حقوقية. 

ولا يوجد حتى الآن أرقام دقيقة وشاملة تحدد عدد الأطفال الذين تعرضوا للشلل أو لإعاقات دائمة أو بتور بسبب إصابات تعرضوا لها أثناء القصف، ولم تتم معالجتها بالشكل المناسب لضعف الإمكانات الطبية المتوفرة في أماكن تواجدهم. 

السلامة النفسية 
انعكس القتال والعنف السائد في سوريا سلباً على نفسيات الكبار والصغار، فقد حذر التقرير الأممي من أن "الأطفال تعرضوا لمستوى مرتفع من الشعور بالبؤس، نظراً لمشاهدتهم مقتل وإصابة أفراد أسرهم وأقرانهم، أو تعرضهم للانفصال عن أسرهم أو تشردهم". 

في حين أوضح تقرير سابق لليونيسف أن أكثر من مليوني طفل سوري بحاجة للدعم أو العلاج النفسي، حيث أن الأوضاع التي تشهدها البلد أثرت في ما يزيد عن 5.5 مليون طفل بعضهم في الداخل وبعضهم في الخارج يعيش كلاجئ. 

"دعم الأطفال نفسياً وعلاجهم يحتاج الكثير من الوقت، ولكن ينبغي أن تختفي مظاهر العنف عن أنظارهم وأسماعهم أولاً." يقول الدكتور الانكليزي آلدو أخصائيي الدعم النفسي والمهتم بالشأن السوري لـ"أخبار الآن".

ويضيف في حديثه أنه من الثابت علمياً أن الصدمة تؤثر على الأجيال "للأسف"، وأن "علاجها يتوقف على الظروف الشخصية والاجتماعية للطفل، ومعرفة هذه الظروف تمكننا من معرفة ما إذا كانت ستؤثر على مستقبله". 

ويوضح أن الانعكاسات على الطفل قد تتجلى بعدة مظاهر سلوكية وجسدية مثل العصبية أو العناد أو العنف أو البكاء الغير مبرر وملازمة أحد أفراد العائلة خوفاً من خسارته أو التبول اللاإرادي أو التأتأة، وصعوبة النطق أو إحولال العينين أو فقدان الشعر أو قضم الأظافر. 

أرقام صادمة! 
تطالعنا أرقام تقارير اليونيسيف منذ عام 2013 وحتى اليوم بأرقام صادمة حول "الانتهاكات الصارخة" بحقوق الأطفال السوريين. 
فمعظم الأطفال الذين لجأووا إلى لبنان أو الأردن، اضطروا للعمل بدلاً من الذهاب إلى المدرسة وذلك لفقد المعيل الذي إما قتل في الحرب الدائرة في سوريا أو لم يستطع اللجوء معهم، فوجدوا أنفسهم يجوبون الشوارع للتسول أو يقومون بأعمال لا تناسب أعمارهم ولا يحصلون منها على مقابل يكفيهم للعيش. 
فذكرت التقارير أن معظم الأطفال يعملون أكثر من 6 أيام في الأسبوع بمتوسط ثمانية ساعات ونصف يومياً، مقابل أجر ضئيل في ظروف من الخطر والاستغلال.  

وتظهر الإحصائيات الأممية أن أكثر من نصف العوائل السورية اللاجئة في لبنان والأردن تعتمد بشكل جزئي أو كلي على ما يكسبه الطفل. 

الحرب لعبتهم
أما الأطفال الذين لطالما كانت أقصى أمانيهم الحصول على لعبة جديدة متطورة أو الذهاب إلى ملاهي الألعاب، باتت ألعابهم لا تتعدا أن تكون قطع خشبية تمثل السلاح بالنسبة لهم.  

وكلما اجتمع مجموعة من الأطفال ليلعبوا، انقسموا فريقين. فريق يمثل الجيش الحر وفريق يمثل قوات النظام المدججة بالسلاح. ويمثلون عملية الاقتتال ويعيشون معارك وهمية يسقط فيها "شهيد بريء من الجيش السوري الحر." فيحمله باقي الأطفال بمشهد الجنازة وتتعالى هتفاتهم الثورية أثناء "التشييع".  

يقول أبو خالد "لم يعد الأطفال صغاراً، فهم لم يعودوا يحلموا بالحصول على ألعاب رقمية، وإنما باتوا يلعبون ألعاب الحرب والقتال"، شارحاً كيف أن أبناء منطقته يقلدون التدريب على القتال عندما يحظون بوقت فراغ بعد أن ينتهوا من جمع الحطب المستخدم في التدفئة والطهو في معظم مناطق سوريا. 

تجنيد الأطفال
لم يستثن النظام السوري الأطفال في قمعه للثورة السورية، فعمد إلى استخدامهم كدروع بشرية عند اقتحام المنازل، وتجنيدهم بعد إغرائهم مادياً وتقديم بعض الصلاحيات لهم ليقفوا على الحواجز ويحملوا السلاح في وجه أبناء بلدهم. 

لا تتوفر أرقام توثيقية عن عدد الأطفال الذين جندهم النظام السوري منذ بداية الثورة وحتى الآن، ولكن باتت داعش تنافسه على هذا من خلال تجنيد الأطفال بعد عامين من الثورة عبر تقديم المال والسلاح؛ حتى باتت سوريا على اللائحة السوداء لدى المنظمات الحقوقية بالنسبة لموضوع تجنيد الأطفال واستغلالهم في الحروب. 

مستقبلهم
 تعالت صيحات تحذيرية من ضياع جيل كامل من الأطفال في سوريا كان آخرها على لسان فيليب دوميل ممثل اليونيسيف الذي قال أن "نحو 15 مليون طفل سوري تضرروا من الصراع الذي يدخل عامه الخامس". 

فحسب تقرير للأمم المتحدة لشؤون الإنسان والصادر عام 2015، تم تسجيل 3,902,424 سوري كلاجئين في كل من مصر والعراق والأردن ولبنان حوالي 50% منهم أطفال؛ علماً أن الأرقام لم تشمل اللاجئين في تركيا. 

وباتت تلوح بالأفق مشكلة ضياع الهوية وعدم الحصول على جنسية، حيث وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان عام 2014 ولادة ما لا يقل عن 85 ألف طفل في مخيمات اللجوء لم يحصل العديد منهم على أوراق ثبوتية. 

"ملايين الأطفال السوريين داخل سوريا وخارجها يرقبون اختفاء ماضيهم ومستقبلهم بين ركام ودمار الصراع الطويل"، يقول أنتوني ليك المدير التنفيذي منظمة اليونيسيف مطالباً العالم بالتحرك لإنقاذ جيل سوريا من الضياع.