أخبار الآن | دمشق – سوريا (جابر المر)
أصبح من السهل جدا أن تصنع فيلما تسجيليا طالما امتلكت التقنيات وتوفر الداعمون، هذه القاعدة التي باتت تلاقي رواجا كبيرا في الآونة الأخيرة في المنطقة، تتناسى أهمية الموضوع المطروح وجودته، حساسيته وخصوصيته، فكيف إن كان الموضوع مرتبطًا بتغريبة الفلسطينيين الثانية، وما له من دلالات ومآلات تتشعب فيها الأفكار وتختلف ويمسي الموضوع الواحد عدة مواضيع.
في فيلم "لا سبيل إلى العودة الآن يا صديقي" تسلط المخرجة الوثائقية كارول منصور الضوء على اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، والذين هجروا من مخيم اليرموك، وتشتتوا في الداخل السوري والدول المجاورة بعد أن ضرب طيران الأسد الحربي المخيم في 16/12/2012.
يأخذ الفيلم جيلين من الفلسطينيين، الأول هو جيل اليرموك، والثاني هو الجيل الذي عاش في فلسطين لفترة أو يعيها على الأقل، في محاولة للقول بأن (مرتين صعبة)، كما جاء على لسان هاني عباس رسام الكاريكتور المعروف في الفيلم، والقصد هنا بالطبع الهجرة الفلسطينية عام 1948، والمرة الثانية عام 2012 على يد بشار الأسد، والغريب هنا أننا نرى الشباب الفلسطيني يتحدثون عن لجوئين وهم في صغار العمر يبدون معه وكأن أبائهم حتى لم يعاصروا التغريبة الأولى.
بدا واضحًا أن كتابة السيناريو جاءت على عجل، لتفرض على موضوع الفيلم حالة من الضبابية المغرقة في الدموع، الذكرى والبكاء، وترديد أي كلام من قبل الشخصيات من شأنه أن يهول موضوعا هو بالأساس موضوع هائل، فاللاجئ السوري أو الفلسطيني السوري غير مضطر إلى لجوئين حتى يصبح موضوعه مثيرا للتعاطف، وغير محتاج إلا لتصوير وجهه المليء بالعواطف، إذ لا حاجة إلى الغوص فيما يؤلمه.
شحن المتلقي بوابل من العواطف من دون البحث خلف موضوع دقيق أضعف الفيلم وجعله فيضا من البكائيات تشتت الموضوع أكثر مما تخدمه، فعند متابعتك الفيلم ستبقى أعصابك مشحونة من كم الألم المطروح لتخرج في نهاية المطاف دون فكرة أو مقولة أو حتى موضوع، ناهيك عن صناعة حالة من الوهم يركز الفيلم عليها وكأن الفلسطيني السوري قديسا أو مسيحا صُلب من قبل مجهولين، في الوقت الذي يعرف معه كل أبناء اليرموك أن مصيبته الأساسية هي في نظام الأسد الذي أطلق عليه قذائفه، ثم أرسل طائرة ميغ تسببت بمجزرة خرج أهالي المخيم على إثرها، لكن الموضوع يمر وكأن القدر هو المتسبب في كل ما يجري من أحداث عنيفة.
في محاولتها لرصد الزخم الإنساني الناجم عن أكثر من لجوء، تنجرف المخرجة مع وابل من الدموع الذي تذرفه تسعون بالمئة من شخصيات الفيلم ما ضيع الفكرة العامة، وحتى الأفكار التفصيلية التي تتحدث الشخصيات عنها بالضبط، فالثلاثة أخوات اللاتي يتحدثن عن أب مات أو ربما استشهد في اليرموك لا ندري بالضبط تمر دقائق الفيلم الثلاث وأربعون ولا نعرف كيف مات! إنما نرى كلاما عاما تقوله أي طفلة ومراهقتين خسرن أباهن، إنما المميز هنا ان الشخصيات الثلاثة نمقن كلامهن من تحت الدموع فبدا أكبر من عمرهن تارة، وبدا نواحا تارة أخرى.