أخبار الآن | دمشق – سوريا (أحمد الدمشقي)

اندفع الاقتصاد السوري بشكل مستمر نحو الهاوية مع بداية الثورة السورية التي كبدت خزائن النظام مليارات الدولارات منذ انطلاقها بسبب فقدان الثقة بالنظام، الأمر الذي أدى الى فقدان الثقة بالاقتصاد وهروب الاستثمارات، ثم لعبت الاضرابات وخروج عدد من المناطق عن سيطرة النظام دوراً في تردي الأحوال لتأتي الحرب التي يشنها بشار الأسد وتُحول الاقتصاد السوري إلى جسد مريض يتنفس اصطناعياً عبر الضخ المالي والمساعدات من داعمي النظام وأهمها إيران.

ومن الأوجه العديدة لانهيار الاقتصاد السوري تدني الدولار وتذبذبه الشديد الذي أدى إلى مشاكل إضافية للمواطن السوري المثقل بالمتاعب جراء البطالة والفقر المدقع فأصبحت كل التعاملات تعتمد على سعر الدولار اليومي بما فيها أسعار المواد الغذائية التي تصعد فور صعود الدولار لكن من النادر أن تعود للانخفاض عند نزوله وهو ما تحاول حكومة النظام تداركه بإصدار قانون يجرم من يربط أسعار المواد بسعر الدولار الأمريكي لكن عبثاً تحاول بسبب خروج معظم الأرض السورية عن سيطرته.

وكالعادة تجلب الحروب معها المئات من تجار الدم والأزمات ليعملوا على تحويل حياة الناس ولقمتهم إلى لعبة على طاولة القمار فمن المعلوم أن الدولار غير ثابت تبعاً للتطورات الميدانية وحجم الأموال المقدمة للنظام المستمر بالتداعي لكن هناك من يتلاعب بسعر الصرف من التجار والمضاربين وبشكل مستمر، وهو ما كلف جيب المواطن العادي خسائر كبيرة، كذلك يتلاعب النظام للحفاظ على قيمة الليرة من جهة ولتدعيم خزائنة نتيجة المناورات المالية التي يلعبها بشكل مستمر وهو ما فعله مؤخراً اذ تمكن من إيصال سعر الدولار من 330 ليرة إلى قرابة 245 خلال أيام معدودة وذلك بدفعة السوق نحو الارتفاع ثم ضخ كميات كبيرة من الدولار منها قيل أنها مزورة ليرتفع العرض وينخفض الطلب، وبالتالي ينخفض الدولار الذي سرعان ما عاد للارتفاع ليلامس 290 ليرة عقب انتهاء مفعول الصدمة من السوق.

التلاعب بسعر الصرف في السوق ليس مقتصراً على النظام وحده، فهنا عوامل عدة تساهم في تذبذب الأسعار منها صفحات الفيسبوك المنتشرة بكثرة والتي لا يُعرف المعيار الذي تتبعه بنشر الأسعار بشكل مستمر كذلك كميات الأموال القادمة من الخارج على شكل تبرعات أو مساعدات أو رواتب تلعب دورًا كبيرًا في هذه العملية التي تتأثر أيضًا وبشكل كبير بالإشاعات اليومية والتي يتحمل النظام مسؤولية جزء كبير منها عبر طابوره الخامس لكن كل ذلك لايهم المواطن بقدر اهتمامه بالمحافظة على قيمة أمواله بأي طريقة فالوضع مختلف تماماً عندما تسعر ال100$ ب 32000 عنه عندما تسعر ب24500 خاصة مع ارتباط آلاف من العائلات بالمساعدات القادمة من الأقارب في الخارج وتحصيل رواتب عدد من مؤسسات المعارضة بالدولار، فيما تبقى آلاف العائلات الأخرى ممن يعيشون في مناطق النظام على وضعها المتردي أصلاً بسبب تردي سعر صرف الليرة بالتزامن مع إصرار بعض التجار على ربط الأسعار بالدولار وابقاء آخرين على الليرة كمرجعية لمعاملاتهم بالأخص من له تعامل مع النظام خشية من العقاب الوخيم، وهو ما يظهر أثره على أمن الناس المالي والغذائي بالدرجة الأولى فمئات الآلاف من السوريين لايهمهم سوى تأمين قوتهم اليومي الذي بات مهدداً بشكل غير مسبوق فسعر كيلو البندورة على سبيل المثال وصل إلى 250 ليرة وسعر كيلو الموز الى 1200 ليرة فيما لاتزال شريحة كبيرة من السوريين تتقاضى بين 15 إلى 20 ألف ليرة شهريا أي ما لايزيد عن 60$

"زهير مصطفى" ترك البلاد منذ حوالي العامين واتجه إلى الأردن حيث حصل على عمل تمكن من خلاله من إعانة أهله الذين فقدوا منزلين بما فيهما، جراء قصف قوات الأسد ما اضطرهم للسكن في بيت أحد أقربائهم الذين قرروا استعادة منزلهم لظروفهم الخاصة، وهو ما هدد بإلقاء عائلة زهير في الشارع فسارع إلى جمع بعض المال عبر الاستدانه وطلب المساندة من أصدقائة لترميم منزل مدمر جزئياً لإيواء أهله والهرب من شبح الإيجار وبالفعل تمكن من جمع مبلغ يزيد عن 1000 دولار لكن سعر الصرف تراجع حوالي 90 ليرة دفعة واحدة مما نسف كل مخططاته حيث كان المبلغ المذكور يغطي كلفة الترميم لكنه خسر 90000 ليرة بهبوط سعر الصرف فاتجه بالمال إلى الخيار الصعب وهو الإيجار.

 أما "أم محمود" فهي الأخرى تتلقى مساعدة من ابنها في الخليج قدرها 150$ تقول أم محمود أن هذا المبلغ  يعيلني وابنتي الاثنتين شهراً ولا يكاد يكفيني نصف الشهر التالي بسبب تقلب الأسعار، ويصف الشاب وسيم الذي يعيش في مناطق سيطرة النظام الوضع المالي بالجحيم فلا مرتب يستطيع تغطية تكلفة الحياة دون مساعدة إضافية بسبب الغلاء وانخفاض الليرة المستمر مع ارتفاع الاسعار برفقة الدولار ويصف وسيم قرارات النظام ب "العلاك المصدي" فهي لاتستطيع السيطرة على شيء.

أضيفت هذه المعاناة إلى سلة معاناة السوريين المثقلة وباتوا يتسائلون يوميا هل وصلنا إلى الهاوية أم أننا نقف على أطرافها؟ ماذا لو توقف داعمي النظام فجأة عن دعمه هل ستنهار الليرة بشكل كلي ؟ هل سنفقد ثمرة عمرنا بلحظة ؟ لكنهم أيقنوا استحالة العودة الى ماكانوا عليه وارتباط حياتهم بالحرب الغير منتهيه حتى إشعار آخر.