أخبار الآن | ريف دمشق – سوريا – (يمنى الدمشقي)
ساهمت الحرب في سوريا بانتشار المآسي على امتدادها، إلا أن المأساة الحقيقية كانت في الحصار الذي فرض على عدد من هذه المناطق، حيث ساهم الحصار بانعدام المواد الغذائية وبيعها بسعر باهظ، إن وجدت، فلجأ الأهالي لاختراع أكلات على غرار الأكلات التقليدية بمكونات مصنوعة مما تيسر لهم.
كباب وكرسبي الثورة ..
الكباب وجبة مشهورة بامتياز في سوريا، فهي مصنوعة من اللحم المتبل بالبهارات والمضاف لها البقدونس، إلا أن اللحم بات من رفاهيات الغوطة الشرقية حتى أن بعضهم كاد ينسى طعمها، لكن هل حرم الناس أنفسهم من أكلة الكباب في ظل الحصار؟
يجيب أكرم أبو الفوز وهو ناشط من الغوطة الشرقية، أنه لجأ لابتكار أكلة كباب الثورة في محاولة منه لإقناع أطفاله أنها كباب حقيقي، فقام بخلط الطحين والبقدونس وبهارات اللحمة ثم وضعها على الأسياخ وشويها على الحطب أو قليها، ومنهم من يضع بيضة مع الخليط إلا أن ذلك يعتبر من المترفين في الغوطة إذ أن سعر البيضة الواحدة يصل إلى 150 ليرة سورية أي ما يعادل نصف دولار! وبعد شوي الكباب يقوم بعمل تمثيلي أمام الصغار أنهم في عيد اليوم لأنهم سيأكلون الكباب.
العيد الثاني يكون عند تحضير دجاج مقلي أو ما هو مشهور في الغوطة (كريسبي) وهي مصنوعة من اليقطين المغطس بالطحين، أو أصابع مقلية وهي تشبه البطاطا أو شرائح عريضة على أساس أنه طبق اسكالوب.
يتابع أكرم "أعمار أطفالي ست و سبع سنوات، لذلك فهم لا يذكرون جيداً طعم البطاطا المقلية ولا يعرفون طعم الكريسبي الحقيقي، ونجحنا بإقناعهم أنها أكلة عالمية ومشهورة ولهذا يحبها الجميع".
ومع توافر اليقطين بكثرة تنوعت الأطباق فيه، من يقطين مقلي إلى مفركة يقطين إلى متبل يقطين، إلا أن كل هذه الأكلات غير معتادة في سوريا وغير مستساغة لدى الكثيرين والطبق الوحيد الذي كان يحضر باليقطين هو اليقطين باللبن والطحينة، لكنه بات من الأطباق النادرة أيضاً مع وصول كيلو الطحينة في الغوطة إلى 5000 ليرة سورية، أي ما يعادل 15$.
أكلات جديدة ..
البقدونسية وجبة غدت مشهورة في الغوطة الشرقية في الآونة الأخيرة، وهي عبارة عن بقدونس ونثرات من اللحمة توضع للنكهة، اعتمد عليها أهل الغوطة بشكل كبير في حصارهم رغم عدم رغبة الكثيرين في أكلها فهي ليست من الأطعمة المستساغة، بسبب رخص البقدونس وتوافره بكثرة حيث يتراوح سعر الحزمة 30-40 ليرة سورية، بينما تكلف الأكلة كلها بحدود 800 ليرة سورية لكن من مميزاتها أنها تبقى أكثر من يوم في البيت.
الحلويات باتت من الماضي في الغوطة باستثناء ما يصنع ويبتكر من قبل الأهالي، فيطبخون حلاوة السميد من السميد والماء والسكر، إذا توفر السكر، بعدما أصبح سعر كيلو السكر إلى 3200 ليرة سورية.
كما استبدلت الخضار غير المتوفرة كالطماطم والخيار بالجزر، والبطاطا باليقطين، واللحم والدجاج إستعاض أهالي الغوطة عنهما ببهار اللحم أو مكعبات مرق الدجاج.
في حين بات للخبز طريقة تحضير جديدة، حيث صار يصنع من علف البقر والدجاج في أيام الحصار الخانق بعد أن يطحن ثم يخبز، ثم بات الاعتماد على خبز الشعير وخبز العدس.
ورغم كل هذا التقنين في المواد إلا أن مئات العائلات في الغوطة الشرقية تصنف تحت خط الفقر ولا تجد ما تقيت به نفسها، بعض العائلات تقضي يومها على بضع حبات من الزيتون، ولربما ماتت داخل منزلها من الجوع دون أن يدري بها أحد، حيث تم توثيق وفاة عشرات الأطفال والمسنين نتيجة الجوع وسوء التغذية في الغوطة.
مناقيش الصمود ..
وفي حمص لأكلات الحصار نكهة أخرى، نكهة ممزوجة بحس الدعابة الحمصي، حيث تأسست صفحة على الفيسبوك للتعريف بأكلات الحصار مع انتشار واسع لصفحات الطبخ والحلويات وأسموها أكلات الحصار، ما إن تدخل إليها حتى ترى مكتوباً "الصفحة ليست للندب ولا لحدا يدخل ويشفق علينا نحنا مبسوطين .. بسطنا من انو عم نحاول نكون كما يرضى الله".
ويحاول القائمون على الصفحة ابتكار أكلات من وحي الحصار في حمص، السمسمية وهي أن تحضر العسل الذي احترق بفعل استهداف المحل بقذائف الهاون، ثم تضعه فوق السمسم على النار لتحصل على وجبة حلويات بسيطة دون أن ترمي شيئاً.
كما باتوا يعتمدون على عشبة المديدة وهي عشبة كثيرة النمو في حمص إلا أنه لم يسبق أن استخدمت للطبخ، وباتت تطهى على نطاق واسع رغم تأثيراتها الجانبية على الجهاز الهضمي.
مناقيش الصمود أحد الأطباق الصباحية التي يعتمد عليها الأهالي في الحصار، وهي عبارة عن بدار مطحونة أقرب ما تكون إلى الزعتر تعجن بشكل مطول مع القليل من الزيت ويوضع فوقها القليل من الفلفل الحار وتخبز وتتميز بأنها تعطي إحساساً بالشبع.
بات الاعتماد على الأعشاب التي لم يكن من المألوف أكلها وأوراق الشجر كالتوت والتين، وصار أكل لحم الجراد والسلاحف من المألوف، وكسر السوريون حواجز كثيرة في سبيل الحفاظ على بقائهم، إلا أنهم حاولوا جاهدين الابتكار والتجديد من مطبخهم الواسع حتى وهم في الحصار.