اخبار الآن | القاهرة – مصر – (رانيا الزاهد)
أطفال وشباب في عمر الزهور، هربوا من عائلاتهم للانضمام إلى أسوأ منظمة ارهابية على وجه الأرض والموت في بلاد غريبة بأبشع الطرق.. والآن كل ما تبقى لأمهاتهم منظمات تحاول اعادتهن للحياة الطبيعية مرة أخرى.
صحيفة "هافنجتون بوست" البريطانية نشرت تقريرا خاصا يرصد القصص المؤلمة لأمهات فقدن ابنائهم بسبب تنظيم داعش الارهابي. ونقل موقع الصحيفة الالكتروني الفصص المأساوية لاربعة امهات من عواصم مختلفة حول العالم، وكيف تلقت كل منهن خبر وفاة ابنها في سوريا والعراق تحت شعار الجهاد الذي يستغله التنظيم الارهابي لتجنيد الاف الشباب حول العالم.
كريستيان من كالجاري
بين ممارستها لكرة القدم والعمل لساعات كمحاسبه، تقضى كريستيان بودرو كل دقيقة من وقت فراغها لمشاهدة أشرطة الفيديو التي ينشرها تنظيم "داعش" لإعدام الرهائن وذلك في غرفة ابنها البكر، داميان، وكانت تركز على والجوه وراء الأقنعة، على امل ان تجد عيون ابنها خلف واحدة من هذه الاقنعة.
وقالت كريستيان إنها كانت سعيدة باعتناق داميان للإسلام. فقد ترك زوجها الأول المنزل عندما كان داميان في العاشرة من عمره. وفي ذلك الوقت، هرب الصبي إلى عالم اخر عن العالم الذي اغضبه واستبعده عن طريق جهاز الكمبيوتر. وعندما كان في الـ 17من عمره حاول داميان الانتحار.
وبعد وقت قصير من خروجه من المستشفى، قال داميان لوالدته انه يحب القرآن الكريم، وعلى الرغم من أن بودرو قد ربته على تعاليم المسيحية، الا انها رحبت باعتناقه الاسلام.
ولكن بحلول عام 2011 لاحظت بودرو تغيرا في ابنها، فقد كان يزور أصدقاءه الجدد كثيرا ويجيب على الهاتف خارج المنزل فقط، وكان لا يأكل مع العائلة إذا كان هناك نبيذ على الطاولة. وكان يقول لأمه إن المرأة يجب تعتني بالرجال وإنه يفضل الزواج بأكثر من فتاة، كما كان يبرر عمليات القتل.
في صيف 2012، انتقل داميان إلى شقة مع بعض الأصدقاء المسلمين الجدد فوق مسجد في وسط مدينة كالجاري وانسجم معهم في كثير من النشاطات. وفي ذلك الوقت، بدأ الصراع في سوريا، وفي نوفمبر من هذا العام، غادر داميان كندا، قائلا لوالدته إنه ذاهب إلى مصر لدراسة اللغة العربية ليصبح إماما.
في 23 يناير 2013، طرق رجلان على باب منزلها وقالوا لها إنهم من المخابرات الكندية واكتشفت الام الحزينة ان داميان ليس في مصر ولكنه سافر إلى سوريا وانضم لتنظيم جبهة النصرة التابع لتنظيم القاعدة الارهابي. بعد ذلك لم يكن في يدها شيء سوى البحث في المواقع الجهادية عن ابنها.
معظم الشباب الذين يهربون للانضمام إلى الجماعات المتطرفة في سوريا يكفرون غير المؤمنين، بما في ذلك أولياء أمورهم، الذين يقفون في طريق جهادهم لذلك يقطعون العلاقات معهم. ولكن ابتداء من فبراير، كان داميان يتصل بوالدته من حين لآخر.
وقالت الام: "في كل مرة يمكنك سماع اشخاص يتحدثون لبعضهم باللغة العربية بينما تحلق الطائرات على ارتفاع منخفض"، مما يعني أنهم كانوا على وشك إسقاط قنابل وهو ما كان يشعرها بالرعب.
بحلول ربيع عام 2013 انقطعت مكالمات داميان لوالدته لانها كانت تستعطفه احيانا وتعنفه في احيان اخرى ليعود الي المنزل ولكن دون جدوى. وبعد ذلك علمت كريستيان ان تنظيم داعش قد انتصر على جبهة النصرة وان ابنها انضم لصفوف داعش.
وفي مساء 14 يناير 2014، اتصل مراسل ببودرو، ليخبرها ان هناك تغريدة على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي تفيد بان داميان أعدم من قبل الجيش السوري الحر خارج حلب. بعدها اصيبت الام بحالة عصبية ولكن كان عليها استجماع قواها لتحافظ على بقية ابنائها. وساعدها في ذلك دانيال كوهلر، الخبير الألماني المتخصص في مساعدة الاشخاص على الخروج من حركة النازيين الجدد، ولكنه في السنوات الأخيرة كان قد بدأ أيضا العمل مع المتطرفين المسلمين وأسرهم.
بعد وفاة داميان، بقي كولر على اتصال وثيق مع بودرو، في محاولة لمساعدتها على فهم ما حدث لابنها.
وقال كولر لي بودرو ان ما حدث كان عملية تطرف كلاسيكية حيث يشعر المجند بسعادة لأنه وجد أخيرا وسيلة لفهم العالم ثم يحاول تحويل المحيطين به بنفس الطريقة.
العملية الثانية، تكون أكثر احباطا وذلك عندما يدرك الشخص الذي يتم تجنيده أن أحباءه غير متقبلين لرسالته، ومن هنا تبدأ النزاعات العائلية في امور مختلفه مثل الجدل حول الملابس، والكحول، والموسيقى، وفي النهاية يضطر لمغادرة المنزل والهجرة لبلد مسلم.
وفي المرحلة النهائية يمكن للشخص أن يبيع ممتلكاته ويحاول ان يتمتع ايضا باللياقة البدنية أو نوعا من التدريب العسكري، وفي النهاية يرى أن العنف هو الحل الوحيد.
بعد ستة أشهر من وفاة داميان، زارت بودرو كولر في برلين، وعرفها على ثلاث أمهات أخريات، كارولينا وتوريل وصليحة، قتل ابنائهن بعد الانضمام إلى الجماعات المتطرفة في سوريا. وأحضرت كل سيدة ألبومات الصور التي تحمل ذكريات خاصة بأبنائهن، وخلال هذه الجلسات النقاشية اكتشفن أوجه التشابه في قصصهن وكيف حصد التطرف أرواح ابنائهن.
بعد عودتها إلى منزلها، انخرطت بودرو في العمل التطوعي لتوعية العائلات بما عانت منه عائلتها، وبمساعدة كوهلر، أسست منظمتين "حياة كندا" و"أمهات من أجل الحياة" لمساعدة الآباء والأمهات في تقويم الشباب المتطرفين، وسافرت في جميع أنحاء كندا لتتحدث للمعلمين والطلاب وإدارات الشرطة حول كيفية اكتشاف علامات التطرف في احد الأصدقاء والأقارب، وماذا تفعل حيال ذلك.
كارولينا من كوبنهاجن
تلقت كارولينا مكالمة تفيد بأن ابنها لوكاس، الذي سافر إلى سوريا لمدة سبعة أشهر، قد أصيب في حلب منذ ثلاثة أيام، لكنها كانت مقتنعة بأنه مات.
رغم ذلك فإن الأم حاولت التشبث بالأمل لذلك ارسلت رسالة صوتية عن طريق موقع "فايبر" تقول فيها "لوكاس، أنا أحبك كثيرا يا ابني الحبيب. اشتقت لك واريد عناقك"، ولكن لم يكن هناك أي رد. وبعد شهر رد احدهم عليها ولكنه لم يكن لوكاس وقال لها "هل تستطيعين تحمل بعض الأخبار؟" اجابت "نعم" وكانت الإجابة الصادمة "ابنك اصبح قطعا متناثرة".
قالت كارولينا لـ"هافنجتون بوست" أن ابنها كان يعاني من بعض المشكلات الاجتماعية واصبح صعب السيطرة عليه، خاصة بعد محاولته سرقه خاتم والدة احد اصدقائه وتوقيفه لقيادته دراجه مسروقة. وتغير حال ابنها بعد عمله في جراج يمتلكه مجموعة من المسلمين الذين استطاعو اقناعه بالدخول في الاسلام.
بعدها بدأ لوكاس الدخول في مشاجرات عنيفة مع والدته ثم ترك المنزل ليستقر مع اصدقاء له، حتى استطاع ان يسافر إلى تركيا ومنها إلى سوريا.
توريل من النرويج
قالت توريل، التي طلبت عدم ذكر اسمها الاخير، أنها علمت بوفاة ابنها، ثوم الكسندر، من الشخص الذي أرسله إلى سوريا للقتال، لكنها ارادت دليل على ذلك، لذلك ارسلت بناتها للقاء ذلك الرجل في محطة قطار أوسلو.
وبالفعل عرض لهن بعض الصور على جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به حتى ظهرت صورة لتوم الكسندر وهو مصاب بأعيرة نارية في الرأس وإصابة في العين. واصيبت الام بحالة عصبية لم تتحرك على اثرها لاسابيع بعد سماعها هذا الخبر.
وقالت توريل إن ابنها كان مدمنا للمخدرات ودخل المصحات الطبية اكثر من مرة لكنه بعد ذلك اعتنق الاسلام وتزوج من فتاة مغربية وترك المخدرات ليصبح انسانا جديدا.
ولكن بعد بدء الازمة السورية عمل الكسندر سائقا للسيارات التي تنقل الملابس للاجئين، وعلى الرغم من انه وعد والدته انه لن يذهب الي سوريا، الا انه لم يحفظ ذلك الوعد وهرب لساحة الحرب.
صليحة من بروكسل
صليحة بن علي، سيدة أوروبية من اصول مغربية وتونسية، تلقى زوجها مكالمة هاتفية من هاتف سوري. وقال له رجل إن ابنهما صبري ،البالغ من العمر 19 عاما، قد توفي، وفي نفس اليوم سقطت صليحة طريحة الفراش.
لم تتحمل صليحة الصدمة، وهي ليست وحدها، فهي ليست سوى واحدة من أربعة آلاف سيدة فقدن ابنائهن على يد تنظيم داعش.