أخبار الآن | إدلب – سوريا (ميساء الحمادي)
بعدما عاشت إدلب فرحها بالتحرير بات لزاما عليها دفع الضريبة وتحمّل القصف شبه اليومي لقراها تباعا، ونالت المدينة النصيب الأكبر. ونظرا للقصف الوحشي الذي يطال السكان والبيوت القروية هشة البناء والأساس أُحصيت أعداد كبيرة بين قتيل وجريح مما استلزم الحاجة لانتشار المراكز الطبية في المدينة والريف الإدلبي كاملا.
المشافي والنقاط الطبية ..
هناك اليوم ما يزيد عن ثلاثين نقطة طبية بين مشفى ومستوصف ومركز صغير. ورغم ذلك فإنها تقف عاجزة أمام استقبال الأعداد الكبيرة والمستعصية إما بسبب نقص الأجهزة والمواد أو غياب تواجدها في بعض الأرياف، ناهيك عن توقف بعض النقاط الطبية تماما عن العمل بما يشبه حالة من الشلل بسبب الدمار اللذي لحق بها جراء القصف.
يتم تحويل حالات الكسور والعمليات أكثرها إلى مشفى باب الهوى الحدودي مع تركيا أو مشفى أطمة، أما إذا ما تطلبت الحالة التصوير الطبقي المحوري أو الجراحة العصبية فهذا يتم في المشافي السورية المنتشرة داخل الأراضي التركية كمشفى دار الاستشفاء أو مشفى الأمل في مدينة الريحانية.
ويعد هذا الخيار بترحيل الحالات الصعبة أو المتوسطة إلى الحدود أو المشافي داخل الأراضي التركية أمرا مستجدا، ففي السابق كان مشفى دركوش الميداني يتمتع بجاهزية عالية وكوادر طبية مؤهلة بشكل ممتاز، حيث أُجريت العديد من العمليات الجراحية.
لكن وحشية النظام ليس لها حدود توصف، فما إن وصلت أخبار المشفى وقدرته على الاكتفاء بالكوادر المحلية حتى تم استهدافه وجرى قصفه أكثر من مرة.
أدى ذلك إلى توقف دعم المشفى المادي والطبي،ن أن تركه غالبية الأطباء والممرضين إما خوفا على أرواحهم أو النقص وغياب الرواتب والتعويضات الشهرية لهم.
نقص الدعم والكوادر .. أمراض وعدوى
يتردد أهالي قرى الريف الإدلبي على المشافي بشكل شبه يومي بسبب انتشار مرض التيفوئيد الذي سببه تلوث المياه بفعل القصف المتكرر والبراميل المتفجرة وما تحتويه من مواد كيماوية، ونظرا لصعوبة الذهاب لمختبرات التحليل فإن الأهالي غالبا ما يعتمدون على الأعراض المتعارفة شعبيا في تشخيص المرض، ويكتفون بإعطاء المريض السيروم وبعض المضادات الحيوية للالتهابات ويعود المريض إلى بيته مكتفيا بهّذا العلاج.
وفي حال ظهور مضاعفات جديدة وزادت الحالة سوءا فإنه يتم التوجه إلى المشفى من أجل إجراء التحاليل.
لا ينتهي الموضوع عند هذا الحد. في المشفى يخضع المريض للتحاليل عن طريق أخذ عينة من الدم، كما جرت العادة. وبسبب من النقص الحاد في المواد الأولية للكشف والتحليل فإن الممرضين يقومون بالاحتفاظ بالإبرة المستخدمة سابقا ويعيدون استخدامها لنفس المريض في مرات لاحقة أو لغيره من المرضى لعجزهم عن تأمين الإبر المستخدمة في التحاليل.
يقول أبو محمد الذي كان هناك للتأكد من نتائجه بأنه فوجئ بالنتيجة المرة الماضية بأنه يعاني من الايدز واحتمال كبير بنقل المرض لعائلته ويتحدث عن حالة الرعب اللتي عاشها هو وذويه عندما علموا بالخبر بطريقة الإبلاغ الرسمي نظرا لخطورة المرض. فما كان منه إلا العمل بنصيحة البعض وإرسال عينة من دمه إلى دمشق عن طريق أحد المسافرين خفية لتأتي النتيجة بالسلبية، ويتابع: " لقد وفقني الحظ واستطعت التأكد بهّذه الطريقة نظرا لوجود أقاربي هناك ولكن الأغلبية يكتفون بالنتيجة المعطاة دون التأكد من صحة النتائج".
أما الأطفال فأكثر الحالات انتشارا بينهم هو مرض اليرقان، وطبعا فإن العلاج يعتمد على الطرق البسيطة والبدائية.
الحوامل أيضا لهن نصيب من تدهور النظام الصحي، فقد أصبحت الولادة بالنسبة للمراة الحامل أشبه بكابوس يخيفها إما بسبب سوء التعقيم أو اضطرارها لعمل جراحي.
"هناء" سيدة جربت الولادة في المشافي الميدانية، تقول: " كنت من المحظوظات يومها لأنهم استطاعوا تأمين الكهرباء أما غيري فقد مررن بظروف خطيرة. وطوال الوقت نخشى من الاضطرار لوضع الجنين في الحاضنات فحينها يصبح معرضا للخطر من كل الجهات أولها القصف وآخرها سوء التعقيم مرورا بقطع لكهرباء المفاجئ الذي يعود طبعا لنفاذ المواد المستخدمة في تشغيل المولدات الكهربائية".
هذا غيض من فيض مما يعانيه أهلنا هنا في إدلب وريفها المحرر. والحديث يطول عن حالات قصف المشافي الميدانية وحالات الهلع التي تصاحب لأطباء أثناء تواجدهم في عمل جراحي فيصبح الضحية بعدما كان منقذ الضحايا.
هنا، في ظل النقص الحاد في شروط السلامة وتقصير الجهات الداعمة باتت المشافي والمستوصفات والنقاط الطبية رمزا للخوف وليس الحياة. وبين هذا وذاك يجتهد الأطباء والممرضون في محاربة الظروف الاستثنائية التي يعيشون فيها تأمين العلاج لأكبر عدد ممكن من الحالات المرضية.