أخبار الآن | دمشق – سوريا – (أنس المصري)
كان الانتحار وما يزال فعلاً مرفوضاً اجتماعياً في المجتمعات العربية، ولكن اليوم في ظل الأوضاع الحالية في سورية يكتسب فعل الانتحار أبعاداً أخرى.
قبل أيام أقدم شاب على الانتحار داخل مدينة "زملكا" المحاصرة في غوطة دمشق الشرقية رامياً بنفسه من فوق مبنى مرتفع، لكنّ مخفر الشرطة الحرة في المنطقة عمّم على الإعلاميين بمنع التحدث عن الحادثة، دون أن يوضح لهم الأسباب.
قد تتعدد هذه الأسباب بين دينية، أو استراتيجية لإيصال صورة إيجابية عن وضع المحاصرين في الغوطة الشرقية، ولكن حالات الانتحار في الفترة الأخيرة لم تقتصر فقط على المناطق المحاصرة الخارجة عن سيطرة النظام.
الانتحار على فيسبوك
قبل مدة أيضاً تداولت صفحات موقع "فيسبوك" صوراً لجسد شاب مسجى بدمه بعد أن حاول الانتحار عبر رمي جسده من فوق "جسر الرئيس" وسط العاصمة دمشق، والذي يرتفع عدة طوابق عن الأرض.
ومع أن الشاب لم يمت، إلا أن مرتادي مواقع التواصل تداولوا صورة الشاب وأعادوا نشرها، مع كتابة تعليقات عن رمزية المكان الذي اختار الشاب الانتحار فيه، أي من فوق الجسر المسمى باسم "حافظ الأسد"!
كما تداولت صفحات الأخبار خبر انتحار شاب قبل مدة وجيزة في حي القصاع الدمشقي، القريب من خطوط الجبهة في حي جوبر، عبر إلقاء نفسه من شرفة الطابق الرابع.
التعلق بالحياة رغم صعوبتها
محمد طالب هندسة مدنية في السنة الأخيرة في جامعة دمشق يقول إن الانتحار الآن أبعد ما يكون عن مخيلته: "فكّرت كثيراً في الانتحار في مراحل سابقة من عمري، لكني الآن لا أفكر سوى بإنهاء دراستي هنا، والسفر لأوروبا لإكمال تعليمي".
عفاف طالبة اقتصاد سابقة تركت الجامعة حالياً بعد أن تزوجت، وسكنت مع عائلة زوجها في دمشق القديمة "في بداية الثورة كنت أدرس في جامعة اللاذقية، ومرت علي أيام عصيبة وقتها حين كنت بعيدة عن أهلي الذين يسكنون في ريف دمشق، وقتها تمنيت كثيراً أن أموت وأرتاح.. أما الآن فكل ما أتمناه أن أبقى أنا وعائلتي بأمان".
أما خالد وهو اختصاصي إرشاد نفسي فيرى أن الخطر الشديد الذي يداهم حياة السوريين يومياً يزيد تعلقم بهذه الحياة، ويرى في حالات الهجرة حالياً مثالاً واضحاً على هذا الرأي "الناس أصبحوا مستعدين للمخاطرة بكل شيء فقط للوصول لمكان آمن، وعيش حياة هادئة وكريمة".
يختلف الوضع في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، أو تلك الخارجة عن سيطرته فمعدلات الموت بكافة أشكاله ترتفع في المناطق المحررة، كذلك الأمر بالنسبة للحاضنة الاجتماعية والدينية التي تشكل حاضنة أقوى في هذه المناطق، حيث تقدم الدعم النفسي البسيط من ناحية تشارك الآلام والمصائب.
أما في مناطق سيطرة النظام في العاصمة دمشق، فعلى الرغم من انخفاض نسب الموت فيها إلا أن عزلة بعض الأفراد، وانعدام ملامح الحياة في المدينة التي يعيشون فيها، وشعور المراقبة المكثف الذي يفرضه النظام، كل ذلك يؤدي لأن نرى حالات انتحار مؤخراً في أحياء من المفترض أنها أحياء غنية أو راقية (القصاع، مشروع دمّر..).
أرقام دولية
على مستوى الأرقام كشف مؤشر السلام العالمي في دراسة حديثة له أن سورية تصدرت قائمة أكثر البلدان خطراً على حياة البشر بعد أن كانت في المرتبة 88 في العام 2008.
أم بالنسبة لقائمة مجلة "الإيكونوميست" لأفضل المدن في العالم، فجاءت دمشق في ذيل القائمة التي ضمت 140 مدينة عالمية، حيث يعتمد تصنيف المجلة على عدد من المعايير في التقييم، على رأسها عوامل الأمان والاستقرار.
في ظل كل المأساة اللي تعيشها سورية تبدو الأرقام المعلنة لحالات الانتحار متواضعة بالنسبة لكم الموت الذي يحيط بالسوريين، لكن يبدو أن إرادة الحياة تتعاظم فعلاً عند وجود تهديد قوي لهذه الحياة، ليقضي السوريون أيامهم على أمل زوال هذا التهديد في أقرب وقت ممكن.