راديو الآن | دبي – الامارات العربية المتحدة – (نسرين طرابلسي)
في لقاء خاص على راديو الآن FM ضمن برنامج صبحية حول أحداث السويداء، قال الكاتب السوري المستقل في صحيفة الحياة منير الخطيب: إن أوجه التشابه بين الثورة السورية الكبرى عام 1925 وثورة 2011 تتجلى أولا في فكرة الخلاص من الاحتلال والاستبداد، وثانياً في الميل للاندماج عند دروز في جبل العرب ضمن محيطهم الأكثروي.
في عام 1925 انتصر التيار التوحيدي الاندماجي على التيار الانفصالي الذي كان يريد التقوقع والذي بقي تياراً هامشياً.
التيار الاندماجي الذي قاده سلطان الأطرش كان يهدف إلى فتح ثورة الجبل المسلحة على محيطها في ريف دمشق ودمشق وباقي أنحاء سوريا.
وقد ساهم الزعماء الدمشقيون بجدية آنذاك وعلى رأسهم نسيب البكري والدكتور عبد الرحمن الشهبندر بتعيين سلطان الأطرش قائدا للثورة، لأنهم لمسوا هذا النزوع الاندماجي لديه.
ما يحدث الآن في السويداء يستند إلى هذه الثابتة (النزوع الاندماجي) مع المحيط الأكثروي في درعا وريف دمشق.
أما النقطة الثالثة فهي أن الكيان الوطني السوري الذي تشكل في المرحلة الكولونيالية وتتابع في مرحلة الاستقلال كانت قاعدته هي المنطقة الجنوبية دمشق ودرعا والسويدا والقنيطرة ، الكتلة الوطنية التي كان خيارها خيار الدولة الوطنية السورية كانت متواجدة في هذه المنطقة، بينما كان طموح حزب الشعب في حلب القيام باتحاد مع الموصل فكان هوى حزب الشعب الحلبي هوى عراقي بينما كان هوى الكتلة الوطنية في الجنوب هوى سوري.
لاتزال هذه الثابتة قائمة بقوة، بعد تدمير السيسيولوجية السورية التي دمرهتها حرب النظام، ومازال الاعتدال في هذه المنطقة..
هل جاء الحراك في السويداء متأخراً؟
لا يرى الكاتب منير الخطيب بأن ما حدث في السويداء خطوة متأخرة، فتعقيدات الأزمة السورية تدفعنا للنظر بشمولية أكبر من الزمن. فشعار (حماية الأقليات) هو من أخطر الشعارات التي طرحت وهو ماكر يستخدمه الماكرون ليركبه الجاهلون، وهو يستبطن موقف ذمي تجاه الأقليات، وهو الصيغة العلمانية للذمية الدينية.
إنه شعار كاذب وخادع فالتهويش الإعلامي الذي نشر أن طبيعة الثورة هي طبيعة سنية متطرفة ساهم في خلق ضبابية ليس من السهل تبديدها عند الأقليات في سوريا.
الأقليات بشكل عام لا يمكن أن تستجلبها إلا إلى مشروع وطني محدد المعالم، ومن الصعب جذبها إلى المشروع الديني (السلفي). الذي من الصعب أن يشكل أرضية تجذب جموع كامل الشعب السوري. مما سبب حالة من الاضطراب وتشويش الوعي لدى الناس.
السويداء بدات حراكاً مدنياً متقدما. فأول إضراب لنقابة المحامين في نيسان 2011 بينما الثورة انطلقت بدرعا في شهر آذار . النخب كاملة من أطباء ومحامين ومهندسين والنقابات المهنية كانوا من اللحظة الأولى في قلب الثورة. حتى رجال الكرامة ومنهم الشهيد الشيخ البلعوس ظاهرة تشكلت في بدايات الثورة. بالإضافة للحالات السلبية.
مجمل هذه المسائل يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، ولا يجوز إطلاق موقف موحد من الكتل الاجتماعية كافة أو اتخاذ موقف قطعي من الكتل الاجتماعية كافة بدون ربطها بتعقيدات الأزمة السورية.
وميز الكاتب الخطيب بين الحراك السلمي الديمقراطي لشباب السويداء في شوارع المدينة، وهو حراك مفتوح على مجال الثورة الوطنية السورية وعلى شعارات الحرية والديمقراطية والدولة المدنية. ويتماهى مع الحراك المدني في بدايات الثورة.
أما مشايخ الكرامة فهي ظاهرة محلية ذات أفق وطني. قامت من أجل بعض الأهداف أهمها:
– منع شباب الجبل من الالتحاق بالخدمة العسكرية الالزامية ونجحت في حماية الكثير من أبناء السويداء
– منع تعديات الأجهزة الأمنية على المواطنين.
– لمس مشايخ الكرامة تراخياً أو تلاعباً من قبل الأجهزة الأمنية في المحافظة مع القوى الداعشية القائمة على الحدود الشرقية للمحافظة، لذا كانت تستبطن فكرة الدفاع عن المحافظة لأنها لمست استهتار الأجهزة الأمنية بمصير الناس.
– وهم رد فعل على انتهازية مشيخة العقل التي تماهت مع مؤسسة الافتاء في سورية، لكي تزيح وتزيل حالة استخدام النظام لمسألة حماية الأقليات. حيث كان هناك نزوع استقلالي عند شيوخ الكرامة بقيادة الشيخ البلعوس مفتوح على أفق وطني ضد تقسيم سورية.
لماذا اغتيل البلعوس؟
يرى الكاتب منير الخطيب أن ظاهرة الحراك المدني وشيوخ الكرامة اندمجوا ذاتيا وموضوعيا فتطورت الحالة إلى تشكيل خطورة على السلطة. وهو ما كان السبب وراء الاغتيال.
إن اغتيال البلعوس أشبه ما يكون باغتيال الحريري، وأتوقع أن يؤدي إلى تداعيات مماثلة لما حدث حين خرج الجيش السوري من لبنان بعد اغتيال الحريري.
ولا يستبعد منير الخطيب أن يحرك النظام حجر داعش باتجاه السويداء وقال: من مصلحة إيران أن تصل داعش إلى حدود الأردن، لأن الساق الجغرافية بخارطة الأردن وضعه الانكليز لمنع اتصال بلاد الشام بالمملكة العربية السعودية والحجاز باتفاقية سايكس بيكو ، ولإيران وحلفائها مصلحة لازالة هذا الساق لحصار السعودية من الأنبار وبادية الشام. مما يشكل خرقا للجبهة الجنوبية التي تخلو حتى الآن من داعش. ويجب أن يتنبه أهل جبل العرب بقوة لهذا الاحتمال.
كما رأى الخطيب أن أحد الاحتمالات هو أن يتخلى الأسد عن السويداء، ذلك أن التوجه الدولي والاقليمي لا يتجه نحو الحسم، والحسم السياسي (مطاط) فمن الأرجح أن يبقى الوضع ساكنا. السلطة يمكن أن تقلص مناطق نفوذها في دمشق وحمص والساحل، وتسليم السويداء لحالة ذاتية يريح السلطة من أعباء الموظفين وغيرها. والسويداء محافظة لا ثروات فيها، وأبناؤها لا يلتحقون بالجيش وبالتالي فهي لا تشكل فائدة كبيرة في ظل تراجع قدرات النظام.
تحطيم تمثال حافظ الأسد في السويداء اتهام مباشر
اعتبر الخطيب أن توجه الناس في الشارع إلى الساحة وتكسير التمثال، كرد فعل أولي على التفجير والاغتيال، هو بمثابة اتهام سياسي لمن يقف وراء عملية الاغتيال، ولا يحتاج إلى محاكم ومرافعات. فهو شبيه باغتيال رفيق الحريري وكمال جنبلاط وبشير الجميل. وهذا النوع من الاغتيالات ليست بحاجة إلى دلائل أو اتهام قانوني. يكفي وجدان الناس وحاسة الناس. بتقديري أن أهل السويداء وجهوا هذا الاتهام بشكل مباشر للنظام عبر رد فعلهم هذا.
التوازنات الداخلية في جبل العرب:
أما عن التوازنات الداخلية في الجبل نفسه وكيف يمكن احتواء ما يحدث لتحقيق نتيجة كاملة؟ وماذا يتوقع أن يكون رد فعل رجال الدين الموالين للنظام ؟ فأجاب منير الخطيب:
إن هذه المسألة حدثت في عام 1925 حين وقفت مشيخة العقل ضد سلطان الأطرش، لكنها في النهاية أذعنت للإرادة الشعبية وللثورة السورية. وما يحدث الآن هو تكرار ولكن بشكل آخر. مؤسسة الدين الوضعي في سوريا مؤسسة متشابكة، ليست مؤسسة الافتاء وحدها. مشيخة العقل ومؤسسات الدين المسيحي تعتبر جزءاً من هذه المؤسسة. فالاستبداد الديني والاستبداد السياسي في حالة تشابك وتضافر عبر التاريخ.
لقد تشكل المذهب الدرزي في العام الرابع الهجري، منذ ألف عام. أثناء الخلافة الفاطمية في مصر. ومنذ ألف عام لم يتعرض الدروز لأي خطر جدي، وما حماهم تاريخيا كان علاقتهم الجيدة مع الأكثرية السنية. ودوما كان موقع الدروز السياسي أكبر من حجمهم الديموغرافي، إلى أن جرى تهميشهم اقتصادياً وسياسياً في فترة حكم حزب البعث.
التيار الاندماجي لديه أهداف تندمج مع مصلحة الدروز. وأهل السويداء يدركون جيداً ليس لديهم قم ولا فاتيكان ليحميهم، ليس لهم إلا الشعب والمحيط في حوران ودمشق وريف دمشق.
أما التيار الانفصالي الأقلوي فهو مرتبط بالاستبداد، لذا سينعزل. وبعد إجراء التغييرات الوطنية واستقرار الوضع أعتقد أن الدروز سيعيدون النظر في مشيخة العقل.
المسألة العروبية والقومية قوية عند أهل الجبل، لذا تاريخياً كان الدروز مع المشروع الناصري، كوسيلة للاندماج بالأكثرية. النزوع العروبي لايزال صارخا وقويا لدى أهل السويداء الذين يشعرون أن الإيرانيين أعداء قوميون للعرب.
الأكراد والدروز
يعتقد منير الخطيب أنه لا يجوز مقارنة وضع الدروز بالأكراد. فالتيارات الكردية التي تتحدث عن الانفصال هي تيارات قريبة من النظام. أما القوى الكردية الأخرى مع الخيار الوطني السوري.
الأكراد متصلون بكردستان العراق مع أكراد تركيا وأكراد إيران، الدروز ليس لديهم مقومات دولة، فعددهم قليل ومناطقهم فقيرة اقتصادياً ولا يشعرون إلا بأن حمايتهم هي أبناء الشعب السوري. الشعب يعيش من عمالة أبنائهم في الخليج أكثر من سبعين ألف مهاجر من السويداء في دول الخليج، ومصالحهم تقوم بين الأكثرية السنة في دول الخليج والاغتراب، لذا لا مصلحة لهم بخيار الانفصال وليس له شروط موضوعية، حتى مشايخ الكرامة كانوا حاسمين في هذا المسألة فليس لنا إلا (أمنا سوريا) كما جاء في خطاب الشهيد البلعوس.
الحلقة الكاملة مع الكاتب السوري المستقل منير الخطيب: