أخبار الآن | ريف دمشق – سوريا – (رواد حيدر)
كان للحراك السلمي مع انطلاق الثورة السورية، وقعٌ على الساحتين العالمية والإقليمية والذي استمر لفترة طويلة رغم تزايد العنف الذي خلقه النظام لقمع المتظاهرين السلميين.
كانت رنكوس من أوائل المدن التي خرجت في وجه النظام بمنطقة القلمون في ريف دمشق، واحترفت العمل السلمي بمختلف جوانبه، حيث كان يقصدها معظم ثوار المنطقة للتظاهر وممارسة النشاطات الثورية وخاصة ممن كانوا ينتمون لمدن يضيّق عليها النظام بقبضته الأمنية.
الحراك السلمي والقبضة الأمنية
جامع الساحة وسط المدينة، من هنا انطلقت الشرارة التي أشعلت مئات الشبان ليبدأوا رحلة حلمهم بإسقاط النظام ولتبدأ أولى المظاهرات في "الجمعة العظيمة" 21-4-2011 التي حيّت وساندت درعا وثوارها رغم الخوف الذي كان ينتاب الجميع، خوف كان لا يزال مسيطرا داخل كل واحد منهم.
"أسعد محمد" ناشط إعلامي من رنكوس يتحدث عن تلك البداية قائلا: "لا أدري أكانت رهبة أم كان الخوف بعينه، ولكنه لم يدم طويلاً فأول هتاف طار بي أبعد من المدينة، ورافقني هذا الاحساس في كل مظاهرة، حتى أنيّ لم أعد ذاك الإنسان الذي يخنع عند سماع كلمة "مخابرات" وخاصة بعد ازدياد التعسف الذي مارسه النظام بحقنا".
استمرت المظاهرات وباتت التعبير السلمي الرافض لممارسات النظام الوحشية، فالمظاهرة كانت تطلب أهلها عند كل حادثة، حتى بات الأمر معتاداً. خبرٌ يظهر على التلفاز يتحدث عن اقتحام وارتكاب مجزرة في حي او مدينة سورية، تجد المئات من الشبان توجهوا الى المكان المتفق عليه "جامع الساحة" للتنديد بما حدث.
مع كل جمعة كانت الأعداد تتزايد، إلى يوم الاقتحام الأول من قبل قوات النظام في 27-11-2011 عندما ارتكبت أبشع الانتهاكات بحق الأهالي وأعدمت عدداً من المدنيين وخرجت بعدها من المدينة، لتنتفض المدينة عن بكرة أبيها، ويخرج الآلاف في تشييع مهيب لشهداء الإعدام، ويبقى الحال على ما هو عليه، مظاهرة كل جمعة، إلى أن اقتحمت قوات النظام المدينة للمرة الثانية في 27-1-2012، حيث كان هذا الوداع، ولم تخرج المدينة بعدها في مظاهرة قط.
تشكيل المجلس المحلي
بقيت المدينة خاضعة لسيطرة قوات النظام حتى 27-12-2012 حين انسحبت من المدينة تزامناً مع انسحابها من كامل جرود القلمون بظروف غامضة، في تلك الأثناء بدت الحاجة ملحة للبدء بتشكيل كيان ثوري مؤسساتي يعمل على ضبط المدينة وإعادة الخدمات، وخاصة أن المدينة دخلت في حالة من الضياع بسبب غياب العمل المؤسسي.
كانت الفكرة تأسيس مجلس محلي يُلحق به لجنة أمنية، للقضاء على حالة التزعزع الأمني الذي لحق بالمدينة، فعمل النشطاء بمساعدة ذوي الخبرة على تكوين كيان يضم أغلب فئات المجتمع، ونجحوا بتأسيس مجلس محلي في 1-6-2013، ليكون واجهةً للمدينة والمسؤول الرئيسي عن الخدمات بشتى أنوعها.
هنا يحدثنا "أسعد" عن تلك الفترة: "في الفترة التي سبقت تشكيل المجلس كنا نعتمد بشكل كامل على المشافي الميدانية في مدينة يبرود، فكان الموضوع الطبي هو من أوائل اهتمامات المجلس حيث أسس مشفى ميداني داخل المدينة ضم أطباء من ذوي الاختصاص والخبرة حتى غدا من أهم المشافي في المنطقة وأصبح يستقبل حالات خارجية من وادي بردى وغيرها، كما عمل على ضبط الأسعار التموينية في المدينة، وقام بتوزيع كفالات دوائية دورية لأكثر من 400 عائلة، إضافة لتأسيسه لجنة قضائية ومكتب خدمات ساهم في تأهيل بعض الآبار الجوفية واستجرار المياه الى المدينة وغيرها الكثير".
استمر عمل المجلس المحلي بشكل جيد طيلة فترة التحرير، حيث تعاقب عليه عدد من الرؤساء منهم من أصيب ومنهم من استشهد، حتى آخر اقتحام للمدينة 13-4-2014 حيث بدأت رحلة جديدة ولكن هذه المرة نزوحٌ إلى بلدة عرسال اللبنانية.
مجزرة الجامع واليوم الأسود
لم يدم انتعاش المدينة لفترة طويلة، في ظل ما قدمه المجلس المحلي من خدمات، حيث كان الموعد مع سيارة مفخخة انفجرت بتاريخ 27-9-2013 أمام جامع خالد بن الوليد الواقع على أطراف المدينة من جهة المزارع، ما أدى لاستشهاد 60 شخصاً بين رجال وأطفال حسب توثيق المجلس المحلي، إلى أن الأعداد أكبر من ذلك بكثير، فأعداد المفقودين والذين لم يتم التعرف عليهم نتيجة تناثر أشلائهم تجاوز الأربعين، في المحصلة ذهب ضحية المجزرة أكثر من 100 شهيد إضافة لمئات المصابين.
يوثق "أسعد" تلك المجزرة بالقول: "وصلت إلى موقع الانفجار الذي لم يكن يبعد عني أكثر من 400 متر، رأيت أشلاء، جثثٌ تحترق، نارٌ تكاد تصل إلى الغيم، صراخُ النساء، دموعُ الرجال ما لبثت أصوات سيارات الإسعاف تدوي في المكان ونداءات المشفى الميداني للتبرع بالدم، كان يوماً أسوداً في تاريخ ثورة رنكوس".
أمهات تبحث عن ذويها بين بقايا الآليات المحروقة، رجال تزيل الركام علها تجد من بقي حياً فتنقذه. كل هذا والمشفى الميداني الوحيد في المدينة لم يكن باستطاعته استقبال هذا العدد الضخم من المصابين والذين هم بمجملهم مشاريع شهادة، فمعظم المصابين الذين وصلوا المشفى الميداني كانوا يلفظون أنفساهم الأخيرة، رغم نقل عشرات المصابين إلى مشافي مدينة يبرود.
استمرت عمليات رفع الأنقاض قرابة اليومين وخاصة من ذوي المفقودين الذي كانوا يتشبثون بخيط من الأمل علهم يجدون في أسوء الاحتمالات جثةٌ يدفنونها.
بعد هذه الطامة، أصبحت اللجان الأمنية تنتشر قبل كل صلاة جمعة في محيط المساجد وتغلق جميع الطرقات في وجه الآليات كي لا يتكرر ما حدث، وطُبق هذا في كل مدن القلمون خوفا من إعادة سيناريو المجزرة التي لم يشهد القلمون مثيلاً لها على مدار الخمسة أعوام الماضية.