أخبار الآن | دمشق – سوريا (أنس المصري)
بهدوء تدريجي تنحسر العاصفة الرمليّة الأخيرة التي ضربت سوريا والمنطقة مخلّفة عدداً من القتلى، وعدداً أكبر من الإصابات وحالات الاختناق الجزئية. والأهم من ذلك حالة نفسية واجتماعية اكتسبت في ظل انعدام الكثير من مقومات الحياة سمات تجربة من الصعب أن تنسى بالنسبة للّذين عاشوها.
العاصفة تحت الحصار
في الغوطة الشرقية المحاصرة كان للعاصفة الرملية بعض الإيجابيات على الرغم من كل شيء. ففي أيام ذروتها حالت العاصفة دون إغارة الطيران الحربي على أحياء الغوطة. مما أدى لخلق نوع من الأمان النسبي لدى السكان المدنيين لتقتصر معاناتهم على الإصابات التنفسية التي وصلت إلى عشرات الحالات استقبلتها النقاط الطبّية في الغوطة الشرقية.
"محمدّ" مسعف في أحد النقاط الطبّية في الغوطة يروي أن معظم الحالات التي وصلت إلى نقطته الطبّية هي حالات اختناق جزئي وضيق تنفّس تفاوتت شدتها بحسب عمر المريض، وحالة جهازه التنفّسي.
وأكّد محمّد أن المشكلة الأساسية كانت في عدم قدرة النقاط الطبية على تقديم غاز الأوكسجين للمرضى بسبب ندرته في مجمل الغوطة. الأمر الذي جعل معالجتهم للمرضى تقتصر على بعض الإجراءات الاسعافية البسيطة. مؤكّداً أن المراكز الطبية في الغوطة أصدرت نداء استغاثة لمنظمة الصحة العالمية دون أية استجابة.
لكّن محمد أكّد في النهاية أن معالجة مصابي العاصفة كانت أهون بكثير على المستوى النفسي، من معالجة جرحى الغارات الجوية التي خفّت حدتها في أيام العاصفة.
حالة تشاركية
على الضفة الأخرى لم تكن العاصفة أقلّ وطأة في العاصمة دمشق الخاضعة لسيطرة النظام. فقد سجلت مستشفيات المدينة وصول أكثر من 2000 حالة اختناق جزئي، أو صعوبة في التنفس، توزّعت على المستشفيات الرئيسية في المدينة.
"لكن ما يبقى من العاصفة هو الحالة الاجتماعية التي رافقتها" هكذا يقول خالد 21 عاماً، وهو طالب اقتصاد في جامعة دمشق. يؤكد خالد أن جامعة دمشق لم تستجب لأي من طلبات الطلاّب في تأجيل امتحانات بعض المواد التي صادفت أيام ذروة العاصفة، وبناءً على ذلك، يتابع خالد: "كنت مضطراً للجلوس في غرفة واحدة مع بقية عائلتي للدراسة على ضوء الشاحن الوحيد في البيت، في ظل انقطاع التيار الكهربائي لساعات متواصلة. كانت أياماً صعبة، ولكنها لم تخلو من بعض المواقف الحميمية".
"تسنيم" صيدلانية تملك صيدلية في حي البرامكة وسط العاصمة. تروي أن الكمامات نفدت لديها منذ اليوم الثاني للعاصفة، كذلك الأمر بالنسبة للطلب المتزايد على المضادات التحسسية، والبخاخات الخاصة بمرضى الربو: "أمرّ يومياً من أمام الجامعة للوصول إلى الصيدلية، وكنت أشاهد منظر الطلاّب الداخلين إلى الجامعة ومعظمهم قد غطى وجهه بالكمّامات، كما غطّت بعض الفتيات فمهن بحجاباتهن. كان الصورة لا تنسى، وكأننا نحتاج مزيدا من الألم!"
"فراس" يملك صالة رياضية في حي شارع بغداد، يرى أن العاصفة الحالية لم تشابه الظروف الجوية السابقة التي شهدتها دمشق عقب انطلاقة الثورة، ويقارن بينها وبين العاصفة الثلجية التي حلّت قبل أشهر قليلة.
في العاصفة الثلجية كان الناس يريدون الخروج من منازلهم لتنظيف الثلج، أو للعب به. لكن الأمر يختلف مع العاصفة الرملية. فقد أجبرت لعاصفة الأهالي على البقاء في المنازل، وكأنّ هناك ما يستطيعون فعله داخل هذه المنازل مع غياب الكهرباء وانقطاع المياه!.
يقول فراس: "بالنسبة لي تشكّل صالتي الرياضية مصدر تسليتي الوحيد، وقد حرمتني العاصفة حتى من هذه التسلية، لم يحضر أي من الشباب للتمرين طوال أيام العاصفة، خاصة أنها ترافقت مع هطول مكثّف لقذائف الهاون على منطقتنا".
الانحناء للريح
لسان حال المتتبعين لوجه دمشق الحزين يهمس: إلى متى ستنحني عاصمة الأمويين أما الرياح العاتية. فلا المدينة استسلمت لقدرها بعد ولا النظام توقف عن حصاره وسبيه لها.
تأني العاصفة الرملية لتزيد من هموم أقدم مدينة في التاريخ. يقول الشاعر الشاب "عبيدة": "هذه العاصفة تشبه عاصفة قمع واستبداد النظام، لا تستطيع دمشق الآن إلا انتظار مرور الغزاة وانجلاء العواصف حتى تعود إلى احتضان أبناء فروا من يديها".
تأتي العاصفة الرملية الأخيرة، لتزيد من البؤس اليومي للكثير من السوريين العالقين في دمشق وريفها بانتظار أي أمل للخلاص. وعلى الرغم ما تخلقه أحوال الطقس القاسية من حالة اجتماعية إيجابية، إلا أنّ الكثيرين لا يرون في هذه التجربة إلاّ حالة قسرية أخرى يجب عليهم أن يعيشوها، وأن ينتظروا انتهائها على أمل أن تجلب الأيام القادمة حالاً أفضل، ولو اقتصر ذلك الحال على مستوى الأحوال الجوية.