أخبار الآن | دمشق – سوريا (نور حمزة)
على وقع تزايد التشديد الأمني والعسكري والتدهور الاقتصادي لمدينة دمشق، يعيش المواطن السوري وسط جملة من التناقضات. فقد شهد القطاعات الخدمية تراجعا ملحوظا كان أهمها ربما هو القطاع الصحي.
ثورة وقمع وفساد
عانى المواطنون قبل الثورة من الصفة الملازمة للمشافي والمستوصفات الحكومية، وهي سوء أداء كوادرها والأخطاء الطبية التي باتت مثار فكاهات ومصدرا للتهريج في الثقافة العامة. ولا بأس هنا باستذكار صفات أُطلقت على مشفى دمشق أو المواساة بأنهما "مسلخ" أكثر منهما مكان استشفاء.
مع انطلاق الثورة، أوغلت تلك المراكز الخدمية في التفنن في سوء تعاطيها مع الحالات المرضية والإسعافية، لاسيما تلك التي كانت تدخل المشافي بسبب استهداف قوات النظام لهم في بداية مظاهرات الثورة.
ومع دخول الثورة في مسارات العنف من قبل النظام، جنّد الأخير كل مساعيه وخدماته الصحية لمداواة جرحى ومصابين الجيش وقوا الأمن التابعة له، وبات الدخول إلى المشافي العامة ومراجعتها من قبل المواطنين أكثر صعوبة من ذي قبل.
رافق ذلك، غياب المراقبة عن سير العملية الخدمية الصحية، فتضرر المواطن بالدرجة الأولى وهو يرى المشافي والعيادات الخاصة وقد تحولت إلى ما يشبه محلات الاستثمار التجارية مترافقة مع ازدياد سعر الكشف الطبي والمعاينة والعلاج، وارتفاعا مذهلا في أسعار الدواء المتوافر في الصيدليات.
أما العيادات الطبية الخاصة، فحدث ولا حرج، إذ سجلت أكثر من حالة وفاة نتيجة خطأ طبي كان آخرها وفاة السيدة "ع" بعد ولادتها بساعتين في عيادة خاصة في منطقة صحنايا جنوب دمشق، بسبب خطأ من الممرضات.
ارتفاع أسعار وغياب فعالية دوائية
طال الصراع القائم كل المناطق في دمشق، وبشكل خاص في غوطتيها، التي تحتضن الشرقية منها معظم المصانع والمعامل بما فيها المعامل الدوائية العامة والخاصة. وقد أدى ازدياد القصف والاشتباكات إلى توقف تام لإنتاج الأدوية السورية، التي كانت تعاني أساسا من بعض المشكلات في التركيب والفعالية.
لم يتوقف الأمر عند ذلك، فبعد اعتماد صيدليات دمشق على معامل الأدوية في حلب، دمّر النظام تلك المعامل حين تعامل بوحشية لا توصف مع الحراك الثوري هناك.
ومع بدء نفاذ الدواء السوري من الصيدليات وغلاء الأدوية المهربة من لبنان، وجد المواطن السوري نفسه أما خيار الاعتماد على الأدوية المحلية، إن وجدت، وسط ارتفاع مستمر لثمنها من جهة وتداعي قدرتها الدوائية وفاعليتها من جهة ثانية.
الصيدلانية "ف" تعترف بتراجع كبير في وجود الأدوية السورية وغلاء أسعارها: "مما يضطرنا إلى استيراد الأدوية عن طريق التهريب من لبنان، لكنها غالية الثمن".
وأصبح من المقبول عند دخولك إحدى الصيدليات أن ترى المنتجات المتعلقة بالبشرة والكريمات المختلفة على الواجهات أكثر من وجود الأدوية التي يحتاجها المواطن بشكل يومي.
تراجع إنتاج الدواء السوري بفعل قصف النظام للعديد من المعامل إلى 12% من كمية الإنتاج السابقة، مع تزايد وصل أكثر من 65% على السعر الأصلي له. هذا إضافة إلى وجود بعض الأمراض المزمنة التي تحتاج إلى احتياطي لدى المريض في حال حدوث طارئ كمرضى السكري، الذين يحتاجون إلى شرائط وإبر يومية، وهو الأمر الذي يفرض على المريض تخزين احتياطي لديه.
لا يتوقف الأمر عند ذلك. ففي ظل تراجع الرقابة على المعايير المتبعة في إنتاج الدواء بات على المريض أن يبحث عن فاعلية الدواء رغم الأسعار التي تتضمن أجور تهريبه من لبنان. ويحدثنا الصيدلاني "محمود" في جنوب دمشق عن شطواه وشكوى المرضى من عدم جدوى الكثير من الأدوية: "الأدوية للحالات المرضية المزمنة هي المشكلة، بينما حبوب وكبسولات الصداع والانفلونزا وغيرها فلا تزال على حالها، لكن المشكلة هي في الدواء العلاجي الذي يدفع المريض ثمنه وى يعطيه نتائج ملموسة".
أما عن الحلول التي يتبعونها فيخبرنا بأنه يلجأ إلى تأمين الدواء عن طريق تهريب الأدوية الأجنبية من لبنان، وهو يكلف المريض كثيرا من المال، لكن "لا يوجد خيار آخر" على حد قوله.
يكتمل المشهد السوري تحت سيطرة النظام بتداعي القطاعات الخدمية تباعا، ولاشك بأن القطاع الصحي يتصدر أكثر تلك القطاعات خطورة لما له من نتائج خطيرة قد تترك غالبية المرضى السوريين عرضة للمرض المزمن أو الموت.