أخبار الآن | دير الزور – سوريا (زينة العلي)
يتعاون النظام و"داعش" في مناطق دير الزور، التي يتقاسمون السيطرة عليها، على تصدير حالة من الذل للمواطن في سعيه لتأمين احتياجاته اليومية من المواد الغذائية.
بسبب ذلك كثرت الطوابير في مدينة دير الزور. من طوابير المؤسسة إلى تلك التي يقف فيها الناس أمام المحافظة وثالثة أمام باب فيلا اللواء محمد قدور.
بعضهم يطلب لقمة تسد رمق عائلته، والبعض الآخر يطلب إذاً بالخروج من هذا الجحيم وبعضها طوابير الخبز أمام الفرن، فأصبحت هذه الطوابير الشغل الشاغل للناس في المدينة.
يقف الأهالي فيها فترات قد تصل في بعض الأحيان إلى أيام للحصول على كيلو سكر أو علبة رب البندورة أو حتى طبقا من البيض.
طوابير من الذلّ
يحدثنا "أبو هشام" عن أحد الطوابير التي يقف فيها: "يقولون أن في المؤسسة الاستهلاكية يوجد سكر فنركض لنشكل طابوراً طويلاً يصل أحيانا الى مسافة تتجاوز الألف شخص. يبيعوننا الكيلو بـ 1500 ل.س ويحصل المواطن منا على 2 كيلو إن حظه جيدا".
لكن الطابور بعد ساعات طويلة من الانتظار يتلاشى خائباً، لأن العساكر لهم الأولوية في أي شيء هنا، يأخذون السكر أو أي شيء يأتي للمؤسسة ويبيعونه في السوق بضعف ثمنه، ولا أحد يمنعهم من ذلك.
يقول أبو هشام أن الفرق في الأسعار بين المؤسسة والسوق تتضاعف كثيراً، رغم أنها غالية في المؤسسة نفسها، لا أعرف لم يبيعون لنا المواد التموينية بأضعاف سعرها في مكان آخر طالما أنها مؤسسة حكومية.
وفي نفس الطابور تتابع الحديث الخالة أم محمد، امرأة عجوز تجلس على الرصيف منتظرة دورها الذي لا يأتي: "أنا هنا منذ الخامسة صباحا وها هي الشمس تغرب ومازلتُ هنا لأنهم قالوا أن هناك رب بندورة في المؤسسة، وهناك أيضا السكر".
نشتري رب البندورة من السوق الكيلو بـ 5500، حتى الطوابير أصبحت أمام بائع الخضرة حين يحضر بعض الحشائش من القرى القريبة.
يعاملنا العساكر كأننا عبيد يصرخون بنا ويشتموننا، وأحيانا يضربون الشباب بالكرباج، ثم يحصلون هم على كل شيء".
عمر وأخته رحاب من المتواجدين دائماً في الطوابير أيضاً. يقول عمر: "أبي بقي هناك في الأراضي تحت حكم "داعش"، وبقيت مسؤولاً عن أهلي وأخواتي، نقف أنا وأختي الصغيرة في أي طابور نسمع عنه من طابور الخبز إلى طابور المحافظة، حيث تذهب نصف المواد التموينية إلى هناك. وبعد أن يأخذ المحافظ حصته والموظفين أيضاً، يبيعوننا ما تبقى. رحاب أختي ما زالت في المرحلة الابتدائية وبدل أن تلعب مع صديقاتها أصبح صيفها منحصراً في الوقوف في الطابور وسماع كلمات وشتائم العساكر وذلّهم للناس في المدينة هنا".
أحمد يعمل مهندساً، يقف هو الآخر في الطابور، يقول: "حين خرجتُ في مهمة الى دمشق في الطائرة، اكتشفت أن هناك أطناناً من الطعام والمواد التموينية ترسل كل يوم إلى دير الزور، لكنها تتقسم بين المحافظ وقائد الشرطة وأمين فرع "حزب البعث" وأسرهم وأقاربهم ورجالهم. عساكرهم تسرق وتبيع في السوق بأضعاف الثمن ولا يوجد من يردعهم".
ويتابع: "من أجل كيلو ملوخية نقف طابورا طويلا وننتظر بائع خضرة يتحكم بنا ويصرخ ويشتم، ولا أعرف إلى متى ستستمر هذه الحالة".
طابور السفر
"طابور السفر" له وضع آخر، فهو يمتد أمام مبنى المحافظة أو فيلا اللواء قدور، يكبر فيه الأمل لمن يريد الخلاص كلما اقترب دوره من نافذة العسكري ليقدم الطلب إليه. وتمتد الأيام والأسابيع بانتظار الرد.
لؤي، شاب يريد الخروج مع والدته المريضة، يقول: "هذه المرة الثالثة التي أقدم فيها طلباً للخروج بالطائرة، لكنهم يمزقونه أو يكتبون "مع الرفض" بحجة أن عمري بين 17 و40 وهناك قرار يمنع سفر الشباب بهذا العمر. أخاف أن تسوء حال والدتي وأنا أنتظر".
"سمير" موظف نُقل إلى دمشق يحدثنا عن طابور الانتظار هنا: "لقد قدمتُ طلب نقل الى دمشق فوافق المحافظ عليه، لكنه يرفض توقيع خروجي من المدينة. مديرة مكتبه قالت لي بالحرف "أنت من طلبت النقل وأنت من عليه إيجاد طريقة للخروج". يقف سمير في هذا الطابور منذ شهر تقريباً، ويتنقل بين مكتب أمين الحزب أو فيلا اللواء أو قائد الشرطة، لكن دون جدوى.
في الطابور تقف إيمان أيضاً، تقول أنها قدمت طلبات كثيرة لها ولأولادها لكنهم مزقوها، وافقوا على خروجها براً مع معرفتهم بأان حواجز "داعش" لن تسمح لها بالمرور.
إلى متى؟. يتساءل أهالي المدينة المنكوبة وهم في هذا الذل وهذه الطوابير التي أصبحت تأكل حياتهم وأيامهم. فلا النظام وحكومته التي متمثلة ببيت لواء ومقر محافظة ولا "داعش" والحصار الخانق الذي يفرضه على المدينة يرأف بحالهم. وما بين كماشتين هناك ذل ومهانة لا تنتهي.