أخبار الآن | حماة – سوريا – (نجوى بارودي)
في ساحة العاصي وسط مدينة حماه، يقف العشرات من المواطنين رجالاً ونساء في طابور تعتقد بداية أنه دور على مؤسسة استهلاكية أو مركز لتوزيع المعونات، لكن المفاجأة أن كل ذاك الطابور يقف أمام دكان عطارة لبيع الأعشاب أو كما يسمى بالعامية بزورية.
يتهافت الناس بالمئات يوميا، كما يقول "أبو أحمد" صاحب البزورية أو "طبيب الأعشاب" كما يحلو للبعض أن يسميه. يقول: "منذ بداية الأزمة وبسبب ارتفاع سعر الأدوية المتوافرة وانقطاع معظمها، انتعش عملنا وخصوصا في السنتين الأخيرتين، تتوافر لدينا أغلب الأعشاب لأغلب الامراض ماعدا السرطان. وزادت ثقة المستهلكين أكثر بعد وجود العديد من حالات التسمم التي عالجناها بسبب الأدوية منتهية الصلاحية".
تناقضات في التصريحات
تمارس وزارة الصحة في حكومة النظام سياسة التصريحات والقرارات المتناقضة، ففي أقل من شهر طالب تجار الدواء وصانعيه وخلال اجتماعاتهم مع الوزارة برفع سعر الدواء، فكان جواب الوزارة بالرفض. لكن في نفس الشهر تحدثت معاونة وزير الصحة في أكثر من تصريح أن: "معاملنا تنتج ما يكفي من الدواء وأن الأزمة شبه معدومة بتصنيع واستيراد الأدوية".
ثم عاد نقيب صيادلة سورية "محمود الحسن" وكشف أن اللجنة الفنية للدواء رفعت أسعار الدواء الوطني 50 بالمائة، موضحاً أن رفع أسعار الأدوية المنتجة محلياً جاء للمساهمة باستمرار معامل الأدوية المحلية في العمل، ومنوهاً إلى أن نسبة الزيادة لا تغطي فعلياً التكلفة الكاملة للتصنيع. ليعود وزير الصحة في حكومة النظام من جديد ويصرح أن قرار رفع أسعار الدواء مربك، وأن سبب إصدار هذا القرار يعود لانقطاع 40 بالمائة من الأدوية من الصيدليات نتيجة ارتفاع تكاليف إنتاج هذه الأدوية، مؤكداً أن سعر الدواء كان قبل صدور هذا القرار مُسعّراً على أساس سعر صرف الدولار المعادل لـ61.5 ليرة سورية، مبيناً أن صدور هذا القرار كان مشروطاً بأن يلتزم أصحاب المعامل بتصنيع الأدوية المفقودة والمقطوعة وتأمينها في السوق.
لكن رئيس نقابة عمال الصحة التابعة لحكومة النظام في دمشق "سامي حامد" كان له تصريح مختلف، فانتقد القرار الأخير برفع سعر الأدوية، مشيراً إلى أنه يوجد أدوية رابحة بنسبة 100% لدى معظم الشركات، وأن صناعة الأدوية وفق خبرته لم تكن خاسرة أصلاً ليتم رفع سعر الدواء، وإنما انخفضت أرباح شركات الأدوية الخاصة بنسب معينة، فاعترضت على ذلك، ما دفعها إلى الضغط لإصدار قرار الرفع الأخير.
محلات العطارة بدل الأدوية المحلية
ومع تناقض التصريحات ورجوح كفة الميزان لصالح أصحاب معامل الأدوية يتساءل أحد المواطنين "م. خ" الذي يعاني من السرطان ويضطره الأمر إلى اقتطاع جزء كبير من راتبه لشراء الدواء: "هل قرار الحكومة برفع سعر الدواء كان لمصلحة المواطن. الدواء بطبيعة الحال مرتفع جداً قياساً إلى المستوى المعيشي وغلاء جميع المواد التموينية والغذائية. الأادوية مزورة ومرتفعة الثمن ومنتهية الصلاحية".
وتقول "سناء": "منذ سنة وأكثر لم أعالج أبنائي بالأدوية المصنعة في سورية بسبب عدم فاعليتها، فشراب السعال عبارة عن ماء معالج بالسكر وكذلك أدوية ارتفاع الحرارة ومن ذلك الحين وأنا زبونة دائمة في محال العطارة. الأعشاب مضمونة أكثر ولها فوائد تفوق الأدوية السورية وحين يسافر أحد أقاربي إلى الخارج أنتهز الفرصة ليرسل لي بعض الأدوية الضرورية".
ويشكو "علي" من الوضع الصحي المتدهور الذي وصل إليه بسبب عدم فعالية الدواء السوري، يقول: "الأعشاب ليست ضارة ولكنها أيضاً ليست مفيدة، أعاني من السكري والضغط وأحتاج بسببها إلى العديد من الأدوية، ولكن الوضع المادي السيئ جعلني أعزف عن شراءها، أدرك أنني أذهب باتجاه الموت لكن لا حول ولا قوة".
رأي الصيادلة والمعنيين
تخبرنا إحدى الممرضات في إحدى مشافي الدولة، لم تشأ ذكر اسمها: "يوميا يراجعنا العديد من المرضى بسبب أدوية منتهية الصلاحية أو غير فعالة بسبب تزويرها، وخصوصا السيرومات وأدوية الأجهزة التنفسية وهنا في المشفى أيضاً نعاني من عدم توفر أغلب الأدوية لأننا كنا متعاقدين مع المعامل المتواجدة في حرستا ودوما وكلها توقفت عن الإنتاج بسبب حصار النظام لتلك المناطق".
أما أحد الصيادلة، رفض أيضا الإفصاح عن اسمه فيقول: "يعزف الكثير من المرضى عن شراء الأدوية بعد معرفة السعر، غلاء السعر لم نتمناه وهذا لم يصب في مصلحة المواطن أو الصيدلي على حد سواء. أما عن الأدوية المتوفرة فهناك نقص كبير في مضادات الصرع وبعض المسكنات وعقاقير الجهاز الهضمي إضافة إلى أدوية علاج السرطان. أما الفيتامينات والمراهم الجلديّة وأدوية الالتهابات البوليّة، فهي تتوفّر بشكل متقطّع ونستطيع شراؤها بأعداد محدودة جداً من المستودعات. ونضطر في معظم الاحيان للتعامل مع تجار "الشنطة" للحصول على بعض الأدوية المهربة ونحن ندرك أنها غير موثوقة".
وقد بات أكثر من ثلاثين معملا للدواء خارج الخدمة تماماً، بينما تعمل المعامل المتبقية بربع طاقتها الإنتاجيّة، وهي لا تغطي الحاجة. ففي حين كانت نسبة تغطية الدواء الوطني للسوق 90% اصبحت الآن 20% .
الأدوية السورية السم الزعاف
سجّلت مؤخراً حالات تسمّم بالدواء في أنحاء مختلفة من سورية نتيجة تناول المرضى ستة عشر صنفاً مصنعاً محلياً. وعن السبب، يقول الصيدلي "أبو كمال": "لا توجد رقابة على معامل الأدوية وإن وجدت فإنها تقتصر على بعض الفحوصات المخبرية الروتينية لبعض الأدوية وهذا غير كاف، ففي الفترة الماضية أتلفت في صيدليتي حوالي 35 صنفاً دوائيا مزورا وغير فعال وكل ذلك لا يصب في مصلحة الصيدلي أو المواطن".
قرارات الحكومة بزيادة سعر الدواء فاقت المعقول وجيب المواطن. يمنع النظام السوري دخول الأدوية إلى المناطق المحاصرة والمواطن في مناطق سيطرته لا تصله سوى الأدوية الباهظة والمزورة فيعزف عنها ويستعيض بدلا عنها بالأعشاب ليكون الموت، الموت فقط في كل حدب وصوب.