أخبار الآن | الرقة – سوريا – (أحمد ابراهيم)
واهم وظالم من يعتقد أن اهالي الرقة هم بالعموم حاضن اجتماعي لداعش أو يسلمون أمرهم لواقع الحال دون مقاومة.
نعم لا يوجد مقاومة مسلحة حتى الآن، ولكن "المقاومة السلبية" الشعبية وتداول القصص والفكاهات هي من أسلحة أهل الرقة البسطاء. وهذا الأسلوب من المقاومة كان مستخدما عبر التاريخ وتناقلته الكتب كإحدى وسائل التحايل على الحكام الظالمين على اختلاف سلطاتهم.
وتعد القصص الشعبية المتداولة بطريقة بسيطة وبإسقاطات على الواقع المعاش على مر العصور أساسا لكثير من الروايات والمسرحيات التي أخذت نصيبها من الشهرة العالمية، وربما كانت حكايات ألف ليلة وليلة الشهيرة من أكثر الأمثلة وضوحا في هذا الإطار، إذ يبتعد فيها راويها عن التسمية المباشرة بفطرة شعبية تنم عن ذكاء ومداورة في توصيل الرسالة والهروب من الكلام المباشر خوف المحاسبة.
"داعش" في رموز قصص السخرية
يتناقل أهالي الرقة فيما بينهم قصص قصيرة بطابع السخرية كإسقاطات على "داعش" وطريقة نشوئه. من هذه القصص:
"يحكى أن أحدهم من سورية أخذ أولاده سياحة إلى العراق ومن جملة ما زاروا مزاراً وسط صحراء قاحلة ولكن الناس كانوا رغم ذلك يزورونه ومن أطراف الدنيا نظراً لمقدرة صاحب المزار على ما يحكى من قدرة الوصول إلى عقول الناس وفهم مايدور فيها بل والسيطرة عليها.
تبرع الرجل السائح بسخاء للقائم على المزار والذي كان بارعا في شرح قدرة المدفون هنا على شفاء ما لا يشفى وما يعجز عنه العلم والطب على مر العصور وفي كل أمور الدنيا والدين.
كان من ضمن العائلة ثلاثة أطفال شاهدوا بإحدى زوايا المزار جحش صغير "كر" فأخذوا يلاعبونه وهو يستجيب لمداعباتهم ويتقافز معهم هنا وهناك. وعند نهاية الزيارة أصر الأولاد على أن يأخذوا الكر الصغير وأمام إلحاحهم تم لهم ذلك ووافق القائم على المزار على طلبهم وخصوصا أن بعض من إخوتهم الكبار نذروا انفسهم لصاحب المزار.
عادت العائلة إلى سوريه وكانوا ذوي مال وجاه ويسكنون بيتا كبيرا أشبه بالقصر وهناك رووا لكبير العائلة، الذي يعاني من عدم انسجام مع الناس خارج بيته الكبير، ماحصل معهم فطلب منهم بعد ان استمع جيدا ان يهتموا بالجحش الصغير
توالت الأيام ومرض الجحش الصغير ومات. حزنت العائلة وقامت بدفنه غير بعيد عن البيت وراح الأولاد يزورون القبر وينثرون فوقه أعواد الآس والورود وهكذا بدأ العامة في تقليدهم دون أن يعرفوا المدفون هناك.
تطور الأمر نتيجة كثرة الزائرين وأقيم على القبر مزارا كبيرا وفخا وأصبح يدرّ المال على اصحابه ويجذب الناس.
وذات يوم قرر القائم على المزار الأول أن يرد الزيارة، وعندما وصل تفاجأ بأبهة المقام وكثرة زائريه، ولكنهم كانوا محرجين أمامه من إخباره بالحقيقة.
قهقه الرجل كثيراً حتى طفرت الموع من عينيه وسط استغراب مستضيفه ولكنه أوضح لهم أن المزار الذي زاروه في العراق مدفونة فيه "أم الجحش الصغير".
دلالات القصة
تحيل القصة السابقة إلى دلالات كثيرة، ربما لا يفهمهما بشكل واضح إلا أهالي الرقة، إذ أن لكل ثقافة محلية رموزها التي تتعارف عليها وتشكل مخزون تعبيري عنهم. تعني القصة ما يلي:
"المجاهدون السوريون الذين ذهبوا إلى العراق برغبة منهم لمحاربة أمريكا، بتسهيل من النظام دون معرفة خططه المستقبلية، تشربوا فكر "تنظيم القاعدة" وأنشأوا فرعا له في سورية، فانتشر وبات يجمع حوله المريدين، وأصبح تنظيما أنتج "داعش" كابن شرعي له ولفكره المتشدد العنفي".
تناقل الشباب بشكل خاص قصص مشابهة، وكانت تصل إلى مسامع قادة "داعش" في الرقة ما هو المقصود من قصص ظاهرها السخرية ومضمونها هو تشريح العفن والعنف الذي تقوم عليه فلسفة "داعش" في منهاجها الإرهابي.
إعدام راوي القصة
في تلك الأثناء برز على الساحة شاب اسمه "خليل عبد الله السالم"، عرف بروحه المرحة وحنقه الشديد على ممارسات "داعش"، فكان يتندر على العناصر بقصصه.
قام عناصر "داعش" باعتقال خليل في قرية عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، وقبع في سجنهم لمدة 19 يوما، ووُجهت إليه تهمة "نشر إشاعات بين المسلمين واعتباره من المفسدين في الأرض".
المفاجأة أن ثلاثة من أبناء أخت خليل ينتمون إلى "داعش"، وزد على ذلك اثنين من أبناء عمومته.
وقد سرب أحد أبناء أخته إلى أمه أن ما أزعجهم منه هو هذه القصة، التي ذكرناها، وكان يتندر بها كثيرا، وكانت إشاراتها واضحة للجميع.
تم تنفيذ حكم الإعدام بحق خليل في أواخر عام 2014، في مبنى مؤسسة الأعلاف في مدينة "عين عيسى"، ويقال أن قاتله هو "أبو انس العراقي" قائد كتيبة التماسيح في ذلك الوقت.