أخبار الآن | الرقة – سوريا – (عزام الحاج)
يؤكد معظم المهتمين والمراقبين أن ممارسات "داعش" في مناطق سيطرته هي ممارسات "استعمار استيطاني" تهدف إلى تفريغ مناطق سيطرته من مخالفيه في الرأي واستجلاب عناصر أجنبية من المرتزقة أو الموالين له. ولعل أبرز ما مارسه "داعش" في هذا الصدد هي مصادرته لآلاف العقارات المملوكة لسوريين ومنحها لمنتسبيه الأجانب، فرنسيين وتونسيين ومصريين وشيشانيين وغيرهم.
معارضو "داعش"
مخالفو "داعش" هم تيار واسع من شباب الثورة المدنيين إضافة إلى عناصر الجيش الحر، سواء كانوا عسكريين منشقين أم مدنيين تحولوا إلى حمل السلاح بفعل طبيعة المواجهة الشرسة التي فرضها نظام الأسد على السوريين عموماً منذ انطلاق الثورة في العام 2011. عملياً وواقعياً وموضوعياً أعداء النظام هم أعداء "داعش"، وهذا ما تكشفه الوقائع.
توجهنا من أجل استجلاء هذه النقطة بعدد من الأسئلة طرحناها على ناشطين ومعارضين من مختلف الأعمار والتوجهات من أبناء محافظة الرقة ممَنْ استولى "داعش" الإرهابي على بيوتهم وممتلكاتهم أو دمرها. واخترنا العينة المستجوبة من أبناء المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، وخاصة في محافظة الرقة. كما تعمدنا أن يكون انتشار إقامتهم الاضطرارية الحالية متناسباً مع واقع الشتات السوري حول العالم.
حاولنا، عبر الأسئلة، فهم القاسم المشترك بين أعداء "داعش"، هؤلاء الذين استولى على بيوتهم عنوة: لماذا الاستيلاء؟ وهل يشكل ظاهرة؟ وهل من عدد تقريبي للبيوت والأرزاق المُستولى عليها؟ وكيف يشعر أصحاب هذه البيوت؟ وما العمل الواجب؟.
مصادرة البيوت .. سياسات انتقامية
وفي حين ظهر إجماع بين كل من سألناه حول صعوية تحديد عدد البيوت المصادرة وتالياً عدد الأفراد والأسر المتضررة من سياسة "داعش" هذه، فإن الجميع اتفق على اتساع الظاهرة وعلى طبيعة المُستهدفين بهذه السياسة.
يقول قائد لواء ثوار الرقة "أبو عيسى" الذي يقود إحدى قوى الثورة المسلحة التابعة للجيش الحر في شمال الرقة: "بعد بسط "داعش" سيطرته على الرقه وريفها، بدأ بممارسة هذه السياسة تجاه كل من يعارضه بالعمل أو الفكر بحجة أنه مرتد. وهذه السياسة طالت بيوت كل من قاتل النظام أو شارك الحراك السلمي. فالمتظاهر السلمي أو أحد أفراد الجيش الحر يجمعهم هدف واحد هو إسقاط النظام".
وأبو عيسى نفسه أحد ضحايا هذه السياسة الانتقامية: "النظام أحرق بيتي قبل تحرير الرقة و"داعش" أيضاً قام بتفجير ماتبقى منه. لكني لست الوحيد فهذا حال أفراد كثر من الجيش الحر. ومع ذلك، وقياساً إلى حجم الدمار الذي لحق بسورية لا يمكنني أن أقف أو أفكر في مسألة بيت"، حسب تعبيره.
ويلفت الناشط "محمد الصليبي" الذي يقيم حالياً في تركيا، إلى أن: "هذه الظاهرة واسعة الانتشار في محافظة الرقة، فلا يوجد مبنى في الرقة لا توجد فيه إحدى عوائل "داعش". العدد كبير جداً". لكن الصليبي يلفت إلى أن سياسة الاستيلاء على البيوت لم تقتصر على عقارات الناشطين المدنيين السلميين ومقاتلي الجيش الحر وحسب، بل تعدتها إلى "بيوت الأطباء والمعلمين والمهندسين والمحامين الذين لم يبايعوا "داعش". والتبرير الدائم هو الاتهام بالكفر والإلحاد والتعامل مع الكفرة".
ويقول السيد الصليبي: "نعم تعرض منزلي ومنزل أهلي للمصادرة. لا يوجد في الدنيا كلها شعور كشعورك عندما تسألك ابنتك الصغيرة عن لعبتها التي كانت بالمنزل ولم تستطيع أن تعيدها لها، أو غرفتك الخاصة وأغراضك الشخصية عندما تصادر أمام عينك وأنت عاجز لا تستطيع فعل شيء. كل من وقف ضد "داعش" وفضح تجاوزاته في محافظة الرقة تمت مصادرة بيته، هذا هو "الرابط المشترك" بين مَنْ تم الاستيلاء على بيوتهم من قبل التنظيم.
يوافق السيد "م. أ" المقيم في تركيا أيضاً، على أنها سياسة مارسها "داعش" على نطاق واسع، وأن: "المبررات جاهزة سلفاً وكلها تصب في أن صاحب البيت علماني أو عمل ضد مشروع "داعش". لا يوجد روابط فلكل واحد تهمة مختلفة".
ويعيد السيد "م. أ" بضحكة تنم عن الألم، السؤال المطروح: "كيف سيكون شعور من قدم كل شيء يملكه من أجل الثورة لتكون النتائج الاستيلاء على بيته، الذي بناه حجراً حجراً بتعب عشرات السنين. حقيقة تختلط في داخلي مشاعر الحقد والكره والألم، أنت تعرف كم يعني لك البيت في بلدنا. وخاصة أن أغلب هؤلاء [الدواعش] لم يكن ليجرؤ أن يتحدث عن النظام بصوت عال في وقت تم توقيفي وفصلي وملاحقتي لأكثر من عام [2011-2012] وأنا أعرف أغلبهم".