أخبار الآن | تركيا – اسطنبول – (إيهاب بريمو)

لا تزال ذاكرة السوريين حاضرة وهم يرون رسومات أطفال درعا على الجدران تعكس الظلم والقهر الذي عانى منه آبائهم وأجدادهم، رافضين الخضوع والخنوع لسلطة القمع المستمرة.

مع تشعب مسارات الثورة وتعددها بقيت اليد السورية ترسم ما يختلج في وجدانها، وتفتحت المواهب المختلفة التي جرى قمعها بشكل منظم زمن حكم الاسد الأب والابن على السواء.

قاوم السوريون النظام بشتى الطرق، وعملوا على تصدير مأساتهم وقضيتهم وحقهم بالحرية والكرامة إلى العالم عن طريق الفنون المختلفة.

ضمن هذه الأجواء من الرغبة في دعم الثورة والمشاركة فيها كل حسب استطاعته، يستمر في مدينة اسطنبول التركية معرضا سوريا للفنون التطبيقية ولوحات رسمت بلهب النيران للفنانة السورية "فلك الغزي".

الوجوه السورية الحزينة

في حديث خاص للفنانة فلك لأخبار الآن تقول: "عملت لمدة عشرة أعوام في مجال الرسوم المتحركة وقصص الأطفال. ومنذ ستة أشهر بدأت التحضير لمعرضي هذا. المعرض يتنوع بين لوحات الفسيفساء ولوحات رسمت بالنار على الورق، والحفر قشر البيض. معظم اللوحات تعكس واقع الشعب السوري ومعاناته. الرسالة التي أود إيصالها من اللوحات التي قمت برسمها أنني قمت بتحويل النار والدخان إلى أعمال فنية تحاكي الواقع السوري وإظهاره إلى العالم أجمع".

أثناء تجوالي في قاعة العرض لفتت انتباهي لوحة يظهر فيها وجه رجل مسن عيناه تروي قصصا مليئة بالألم والمعاناة، وتعكس الأحداث الجارية في سوريا.

تساءلت عن اللوحة فأجابت الفنانة: "هذه اللوحة عينا رجل مسن تحكي قصص الدمار في في حمص وجوع الأطفال في دوما. اللوحة تعبر عن خسارة السوري كل ما يملك وتحوله إلى لاجئ".

تستمد "فلك" لوحاتها وتستوحي ملامحها من وجوه السوريين: "عند مشاهدتي أخبار وصور الموت على الشاشات أجد نفسي مهرولة إلى أوراقي وريشتي وأبدأ بالرسم".

في لوحة بعنوان "القذيفة" هناك قطعة صغيرة من المعدن تلخص حكاية قتل الأبرياء. حدثتنا الفنانة عنها: "عندما كنت أشاهد الغبار يتصاعد من المباني إثر قذيفة أو برميل كنت أشعر بأن المكان له روح تصعد مع الشهداء".

أما لوحة "الشهيد" فهي: "أغلى لوحة على قلبي، فقد كنت وعدت صاحب اللوحة قبل ثلاث بإقامة معرضاً، لكنه استشهد ولم ير المعرض. أنا اليوم أهدي هذا المعرض إلى روحه الطاهرة"

معرض "لهب على ورق" .. ذاكرة الوجوه السورية في الحربتفاعل الحضور

 

يشهد المعرض إقبالا معقولا عليه، ويستقطب فئت مجتمع السوريين في اسطنبول، وقد كان هناك حضور من جنسيات عربية أيضا.

"ياسمين أحمد" أحد الحاضرات أبدت إعجابها في المعرض وقالت: "شيء جميل ومؤلم  أعادني بذاكرتي إلى دمشق والمعارض، ولكن هذا المعرض يحكي واقعنا المرير. بصراحة دهشت من اللوحات التي صنعت من النار والدخان، لم أسمع بها من قبل ولكن كانت في غاية الروعة".

"عمران نعسو" من الحضور تقول: "رأيت في اللوحات معاناة الشعب السوري. لفتتني لوحة الحصان شعرت وكأنه هارب من القصف، أما لوحة الفتاة التي تلطخ وجهها بالدماء فتعكس قضية الشعب الذي لم يمت من القصف ولكنه متأثر بالجراح".

"مار جمعلي" كاتبة سيناريو ومدربة في تطوير التعليم كانت من الحاضرات، تقول: "المعرض جميل جدا، الذي رأيته اليوم فن خارج الصندوق، تقنية جديدة أشاهدها للمرة الأولى. فنان يرسم باستخدام الدخان المتصاعد من شمعة!".

"فراس كراوي" مخرج أفلام كرتون قال عن المعرض: "الفكرة جميلة والتقنية أيضا، لم أرى هذه التقنية من قبل. طريقة الرسم جديدة ومميزة. الفكرة الأساسية من المعرض هي أنه من قلب الدخان ننتج الفن".

المنظمون وصالة العرض

المعرض كان تحت رعاية "مشروع قلم"للتنمية والتطوير" وهو مشروع بدأ فيه بعض من الشباب السوريين المؤمنين بأهمية الثقافة والفن في مساندة الثورة السورية.

السيد "جمعة العبد" منظم المعرض والمدير التنفيذي لمشروع "قلم" يقول: "هذا المعرض هو الأول للمشروع وللفنانة التطبيقية فلك الغزي، تم عرض عدد من لوحات الرسم باللهب كما تم عرض عدد من فنون النحت على البيض، وفي نهاية المعرض قامت الفنانة فلك الغزي بتطبيق لوحة من الفسيفساء كانت قد حضرتها مسبقا". وقد تم المعرض في صالة جمعية "معا" في اسطنبول.

تقوم الفنانة "فلك" اليوم بتدريس بعض الأطفال وتعليمهم الرسم واكتشاف مواهبهم والعمل على تنمية قدراتهم. وهي حالياً تحضّر لمعرض جديد يروي قصص الشعب السوري من خلال لوحات لوجوه سورية.

ساهمت الفنون المختلفة في رصد نبض الثورة والتعبير عنها، فأقيمت المعارض الفنية التي تحاكي الواقع السوري وتعكس الألم والمعاناة من قمع النظام ومرارة اللجوء، وبات الفن هو أحد المرايا العاكسة لوجه الثورة السورية ومآلها.