أخبار الآن | الرقة – سوريا – (أحمد ابراهيم)
لم أتخيل أن "أحمد" سوف ينضم لـ "داعش"، ولا أُريد التبرير له. عامل يومي، حمّال لأكياس السكّر عند أحد التجار في بلدة "سلوك" شمالي الرقة.
كان يأتي الى البيت دبق الثياب والجسم بفعل تراكم بقايا السكر واختلاطه بعرقه، لكن عمله بحمل أكياس السكر كان له تأثيره على حلاوة نفسه وعذوبتها، إضافة إلى أنه صاحب نكتة وبديهة حاضرة على الدوام.
تزوجته منذ ثلاث سنوات ولم نرزق بأولاد، فقد كان يعاني من العقم.
سيطرة داعش على بلدة "سلوك"
سيطر "داعش" كليا على بلدتنا "سلوك" منذ الشهر السابع لعام 2013، لم يتأثر عمله كثيرا، فلقد بقي الناس يشربون الشاي بكثرة ويصنعون الحلويات والمربى في مواسمها.
وكان رب عمله يتمتع بعلاقات جيدة مع "أمراء داعش" الذين يسهّلون كل الأعمال بالمال، فكان يشحن لهم القمح الذي سرقوه والموجود في صوامع "سلوك" وصوامع "الدهليز" ومركز "العالية" إلى "عين العرب"، ومن هناك وبنفس السيارات يتم شحنه مباعا إلى النظام في اللاذقية أو طرطوس عن طريق تجار أكراد من حزب PYD، وكان الطريق يمر من قرية اسمها "خراب عشك". ومن مناطق النظام في الساحل يحمّلون السكر. وهنا يأتي دور زوجي ومجموعته في تفريغ سيارات السكر وتوزيعها للتجار الصغار.
بعد ذلك بوقت تطورت الأمور وصاروا يشحنون السكر إلى "القائم" في العراق وكذلك إلى "الموصل". في بيتنا الصغير والمتواضع، على أطراف البلدة، عشنا أنا وهو لثلاث سنوات نشغل أنفسنا بكل شي ينسيا مرارة حرماننا من الأطفال.
قامت الثورة السورية، لم نكن نعرف ماذا يجري، وجاءت "داعش". لم نكن نتفاعل مع الأحداث وفق ما يتناقلها الناس ولا نشاهد الأخبار "نحنا ما نفهم بالسياسة"، زوجي وأنا لم نكمل المرحلة الابتدائية.
بقي حالنا على ما هو عليه إلى أن سيطر حزب PYD على "سلوك"، وجرى تهجيرنا، وكان أمامنا خياران: إما إلى تركيا أو إلى الرقة. أصر زوجي على الذهاب إلى مدينة الرقة، حيث سيلحق رب عمله وهكذا كان.
تهجير الـ PYD لسكان البلدة
في الرقة استأجرنا بيتا صغيرا، ولكن رب العمل نقل نشاطه إلى "القائم" في العراق، وبقي زوجي دون عمل وبدأت مدخراتنا تنفد وحياة المدينة أكثر تكلفة، ووصل الأمر بنا إلى حد صعوبة تأمين ثمن الخبز. لم نكن وحدنا نعاني، كان مثلنا الكثير من الناس الذين يأكلون وجبة واحدة فقط في اليوم: "لا يغرّك الكلام الذي يتحدثون به عن رغد العيش في الرقة، ربما هو صحيح ولكن ليس لنا، هو للتونسي والعراقي والسعودي والشيشاني والفرنسي ولكل المهاجرين. أما نحن فنعيش على الفتات. "روح شوف المطبخ الإغاثي، روح شوف حاويات القمامة في الأحياء اللي يسكنها المهاجرون".
وهكذا لم نجد من معين ولا مصروف ولا نجدة من أحد. كان "أبو خالد" جارنا يشرب الشاي عصرا في بيتنا فعرض على "أحمد" أن ينتسبا إلى "داعش"، فهم يعطون 200 دولارا كمرتّب شهري.
الانتساب إلى "داعش" .. موت واغتصاب
رفض أحمد الانتساب في البداية، ولكن بعد بضعة أيام وتحت ضغط الجوع والحاجة ذهب مع جارنا إلى مكتب "داعش" عند مبنى المصرف الزراعي ومكتب التجنيد بدوار البتاني. سجلا وعادا ولم يتوقف أبو خالد وأحمد عن البحث عن عمل وكذلك البحث في حاويات القمامة.
بعد ثلاثة أيام أبلغوهما، زوجي وجارنا، للمراجعة. تم ذلك والتحقا بـ"داعش" بتاريخ 25/7/2015. وبعدها بثلاثة أيام أبلغوني وأم خالد أننا أصبحنا أرملتين وأن زوجينا توفيا بالقرب من تدمر في قصف لطائرات النظام. فيما بعد استفسرنا مستغربات من سرعة موتهما. كانت الحقيقة أنهما ماتا بسبب انهيار نفق كانوا يحفرونه للتنقيب عن الآثار لصالح "داعش" جنوب غرب تدمر 2 كم، هكذا روى لي أحد المنتسبين لـ"داعش" وهو قريب زوجي وطلب مني أن أقوم وأم خالد، وأولادها الأربعة، بمراجعة مكتب الأرامل والأيتام للحصول على مستحقاتنا من جمعية "سهم اليتيم".
هناك، في جمعية سهم اليتيم، تتم مساومات النساء، حسب شكل وعمر الأرملة: "من "شغالة" في بيوت "الأمراء والمهاجرين" إلى زوجة لأحدهم من صغيرات العمر، إلى خليلة لأحد عناصر المكتب أو لا تحصل على ما تعتاش عليه هي وأولادها".
زمن للموت والانتقام
تجلس الأرملة "س"، كانت لا تعرف ما ينتظرها. أبقاها موظفو المكتب الثلاثة حتى نهاية الدوام حتى ينظروا في أمر المعونة الخاصة بها، كما أخبروها. لكن الذي جرى هو أن قام الثلاثة باغتصابها، مهاجر بحريني وعنصر من مدينة حمص وآخر من ريف الرقة الشرقي من قرية "الكرامة".
قامت "س" بالشكوى إلى الجهة الشرعية: "شكوتي ردت عليها "أميرة الخنساء" بأنني زانية وأنني أنا من أغويتهم، وإذا لم أنصرف فسيتم رجمي. لكنني كررت الشكوى فما كان منهم إلا أن نقلوهم إلى مكتب لـ"داعش" في الميادين، لأن واحد منهم "الرقاوي" هو ابن أخ "أبو علي الشرعي" شرعيّ "داعش" في الرقة".
"س" اليوم تعيش في بلدة "حمام التركمان" في ريف "سلوك" شمالي الرقة، وهي تقع تحت سيطرة حزب PYD.
سألتها: لماذا لا تغادرين إلى تركيا خصوصا أنكم ممنوعون من العودة إلى البلدة بأمر من PYD؟. ترد وتقول: "هناك وحش ينمو في داخلي، لا أعرف لمن من الثلاثة وحوش في مكتب الأرامل والأيتام، الذين اغتصبوني بعد أن أبقوني إلى نهاية يوم عملهم .. أبحث عن مسدس ولكني لا أملك ثمنه".