أخبار الآن | ريف حلب- سوريا (عماد كركص)
منعتني الصدمة بعد تلقّي نبأ استشهاد "وسيم العدل" من تناول قلمي سريعا لأكتب عنه. فقبل ذلك أبلغت حوالي ثلاث مرات، توزعت على مراحل مختلفة من عمر الثورة، بأن وسيم تعرض للإصابة، لكني كنت أردد دائما: "لن يموت".
كان أول لقاء لي مع "وسيم" أثناء تغطيتنا لمعركة على جبهة للقتال في أول أيام معركة تحرير مدينتنا معرة النعمان، وكنت على موعد مع صداقة جديدة في زمن الثورة. شاب ثائر ومندفع جمعتنا الثورة مع آخرين، لكنه كان الأكثر حماسة واندفاعا بيننا.
طائرة روسية لم تعرف أن قصفها سيُسكت أعلى أصوات إعلام الثورة، ليكون بذلك أول شهيد من الإعلاميين الذين قضوا بنيران العدوان الروسي على سوريا.
الانحياز لصوت الثورة .. وخدمتها
مع انطلاق ثورة الكرامة السورية، لم يستطع "وسيم" البقاء في خدمته العسكرية الإلزامية. كان من الصعب عليه الانتماء إلى جيش ينتمي إلى نظام أقل ما يوصف بأنه فاشي. وهكذا انشق عن خدمته العسكرية في الفرقة 17، وانضم إلى صفوف الثورة.
وقبل ذلك، وحسب شهادات رفاق له من مدينة دير الزور في الفرقة حيث يؤدون الخدمة الإلزامية، أخبروني أنه كان يعطي معلومات للثوار هناك حول موعد تحرك أرتال جيش النظام باتجاههم ويقوم بتنبيههم لأخذ الحيطة والحذر، إضافة إلى حثّه لرفاقه على الانشقاق، قبل أن ينشق هو بنفسه.
ثار وسيم وحمل الكاميرا سلاحاً في وجه النظام وأعوانه من الميليشيات التي استجلبها من الخارج. فعمل على تعرية أفعالهم وجرائمهم وزوّد العديد من وسائل الإعلام بالمقالات والتقارير والفيديوهات التي تخدم ثورة شعبه. عمل مديراً لمكتب الهيئة العامة للثورة السورية في إدلب لمدة عام وكان حينها مراسل لموقع سراج برس الإخباري التابع للهيئة، ليكون بعدها صحفياً مستقلاً.
الطريق الصعب
لم يتمكن وسيم من التخرج من قسم اللغة الفرنسية في جامعة حلب، فلم يعد الأمر يعنيه بعد العنف الذي تعرض له طلاب الجامعة في حلب، وأُجبروا على الهجرة إلى تركيا وأوربا لإكمال دراستهم.
لكن وسيم اختار الطريق الأصعب، والمتوافق مع أهدافه ومبادئه؛ البقاء والاستمرار. فلم يترك جانباً من جوانب الثورة في منطقته ومحيطها إلا وعمل على تغطيته إعلامياً، وإن كان للجبهات عشق خاص مع حياة وسيم، فإنه لم يدع جبهة في كل من إدلب وريف حماه وحلب إلا وشارك في تغطية المعارك فيها، تعرض لإصابات في مرات عدة وظل مقاوماً حتى لحظة استشهاده.
يقول "محمد أمين"، المدير السابق للهيئة العامة للثورة السورية ورئيس تحرير موقع سراج برس، والذي عمل بهما وسيم: "كان نبأ استشهاد وسيم العدل صادما لي ولجميع الزملاء الذين عملوا في الإعلام الثوري، فقدنا واحدا من أشجع الصحفيين السوريين وأنقاهم وأنبلهم. كان مؤمنا بمبادئ الثورة إيمانا قل نظيره، لهذا ظل متمسكا بسوريا حتى آخر قطرة من دمه. لم يغادرها وظل يقاتل الظلم والإجرام، سلاحه الكلمة والكاميرا التي وثقت أنينه قبيل استشهاده. عملنا معا في المكتب الإعلامي للهيئة العامة للثورة وموقع سراج برس وكان متحمساً ولديه رغبة عارمة في تعلم كل الفنون الصحفية ليخدم الثورة".
أما الناشط الإعلامي "بلال عمران" ابن مدينة معرة النعمان وأحد أصدقاء وسيم فقد قال: "كان وسيم محبوباً من الجميع وصاحب كلمة حق في وقت أصبحت الكلمة تباع وتشترى عند الكثير من الإعلاميين الذين غلّبوا مصالحهم الشخصية على نقل الحقيقة. أصيب وسيم أكثر من ثلاث مرات على الجبهة وودع خيرة أصدقائه شهداء، شردت عائلته باللجوء هنا وهناك بعد تدمير منزلهم الوحيد في المعرة، كل ذلك لم يثني عزيمته عن إكمال رسالته. وكأنه يتحضر لتلك اللحظة بقوله"معنا الله، والحمدلله على كل حال".
"محمد الفيصل" مراسل تلفزيون الأورينت، كان قريبًاً جداً من وسيم في الفترة الأخيرة، يكتب: "صوّر معي وسيم معارك تحرير الحامدية ووادي الضيف فكان شجاعاً مقداماً لا يهاب الموت، كنت أرى السعادة في عينيه في تلك المعركة وكان متشوقاً لأن يزف أخبار الانتصارات، وكان الشوق يأخذه في كل لحظة إلى منزله الذي لم يره منذ ثلاث سنوات فقد كان مجاورا لمعاقل النظام. دخلنا وادي الضيف حينها وسجدنا سوياً سجدة شكر على تلك السواتر التي ارتوت بدماء الشهداء، ومضينا بعدها إلى جميع الجبهات في إدلب والغاب".
استشهد وسيم وصعدت روحه إلى سماء واسعة كاتساع حلمه بالحرية، تاركا أوراقه وأقلامه والكاميرا ليكمل رفاقه ما بدأ به.
فيديو يوثق لحظة استشهاء "وسيم العدل"