أخبار الآن | سوريا – حلب (عمر عرب)

هو فن جميل وجديد غير معروف في المناطق المحررة، بالرغم من أن له شهرة واسعة خارجها. يعتمد على الموهبة والخبرة والتذوق الفني مع الإلمام بمهارات التعامل مع المقص والورق المقوى واللاصق، إنه فن صناعة المجسمات. فرغم الظروف الصعبة التي تعيشها المناطق المحررة في مدينة حلب يصر الطفل "محمد قطيش" صاحب الأربعة عشر ربيعاً على ممارسة هوايته بصنع المجسمات من الكرتون والتي يحاكي بها كل شيء يشعر به حوله من آثار الدمار.

بداية الموهبة وتحدي الاستمرار

يتحدث محمد لأخبار الآن عن بدايته فيقول: "بدأت في الصف الأول مثل كثير من الأطفال أرسم السيارات والحيوانات والبيوت وكنت أشعر بالفرح عندما تثني عليّ معلمتي، وقد شاركت في المرحلة الابتدائية في أكثر من معرض للرسومات في مدرستي، وعندما أصبحت في الصف الرابع بدأت أصنع المجسمات عن طريق استخدام الأغلفة الكرتونية للألعاب التي كان يحضرها لي والداي فقد كنت أريد أن أرى لهذه الألعاب بيوتاً مثلنا لذلك كنت أستخدم صناديقها وألونها وأطوّعها وأغيّر أشكالها لاستخدام المقص لتغدو كشكل المنزل".

سرعان ما بدأت الثورة في سوريا وبدأت قوات النظام تدمر الأبنية على رؤوس ساكنيها. يضيف محمد: "أشعر بالخوف والرعب من هدير الطائرات وأحزن كثيراً عندما أرى الأبنية مهدمة لذلك قررت أن أصنع برجاً كبيراً عوضاً عن كل بناء مهدم لأن البرج أجمل وهو يتسع لناس أكثر وقد قمت بصناعة مجسم كبير يضم عدداً كبيراً من الأبنية ليمثل مدينة حلب بشكل كامل ويضم الجزأين المحرر والمحتل".

نقطة تحوّل

استمر محمد في ذهابه للمدرسة ليتابع تعليمه وصمد والداه في حلب رغم القصف الشديد، ولكن قامت طائرات الأسد بقصف مدرسته مما منعه من الذهاب للمدرسة، فلم يتوقف عن العمل بل زاده ذلك إصراراً وكانت ردة فعله إيجابية، فارتفعت وتيرة عمله.

يقول: "كان الناس حولي تعساء وكانت الطائرات تأتي يومياً، كنت أشعر بحزن أصدقائي لذلك قررت أن أصنع الكثير من المجسمات وأن أصنع مجسماً جديدأ لمدينة حلب بصورة مختلفة حيث المدارس الجميلة والأبنية الكبيرة الملونة، كنت أريد أن يحس الناس بالتفاؤل عندما يرونها كنت أريد أن يروا حلب ما بعد القصف فهم لا يشاهدون سوى الأبنية المهدمة والمقصوفة التي حطمتها طائرات النظام لذلك ساعدني والداي على إقامة معرض صغير ضم عدداً من اللوحات إلى جانب المجسم الكبير وقمنا بدعوة جميع أهالي الحي وكثير من أبناء المدينة لحضوره".  

ويكمل: لاحظت سعادتهم وفرحهم بهذا العمل وقاموا بتشجيعي على الاستمرار والمثابرة في هذا العمل وقد صمم بعض أصدقائي على تعلم صنع المجسمات فكانوا يأتون إلي لتعليمهم وقد كنت أتبادل المساعدة معهم فهم يساعدونني في عملي وأنا أعلمهم ما أصنع، ثم أقمت معرضاً ثانياً وبدأت أشعر بالإنجاز وبأنني أقدم شيئاً لهؤلاء الناس البسطاء الذين سئموا من قساوة الحرب.

"محمد قطيش" .. صانع الفرح الحلبي القادم

الواقع والخيال والطموح

يبدأ محمد في هذه الفترة تحضيراته لمعرضه الثالث الذي سيقام في تركيا. يميز محمد في صنعه للمجسمات بين أمرين الواقع والخيال،: "نقل الواقع كما هو يحدث تأثيراً كبيراً في نفوس الناس وخاصة بأنه يحاكي ما يحدث يومياً معهم وأحاول أن أستخدم الخيال لإيصال رسائل معينة منها بعث التفاؤل في نفوس الناس وخاصة أصدقائي، فأنا أصنع مجسمات تمثل دمار مدينة حلب ومجسمات أخرى كبيرة وجميلة لحلب ما بعد الحرب فأنا أريد أن أكون مهندساً معمارياً لأشارك في إعادة إعمار مدينتي".

أما والد محمد فيرى أن محمد طفل مغامر وشجاع فهو لا يهاب الوقوف على سطح المبنى الذي يعيشون فيه ليراقب الأبنية ومحاولة التأمل فيها ليصنع مجسمات تشبهها وبأنه سعيد لأن ابنه يمتلك هذه الموهبة وهو مصمم على دعمه وتشجيعه ليكمل في هذه الموهبة الجميلة، ويضيف  بأن والدته أيضاً تشجعه فهي ماهرة في الرسم أيضاً وقد شجعته منذ صغره على الاستمرار في الرسم وصنع المجسمات.

محمد قطيش موهبة سورية جديدة وهو بحاجة للرعاية والاهتمام وصقل مهاراته ودعم موهبته كي يستمر في إبداعه، ومن الضروري نشر أعماله في جميع أنحاء العالم ليصل بصوت السوريين إلى الجميع ويحتاج قبل كل شيء وكما أهل سورية جميعاً إلى العيش بهدوء وأمان لتكبر أحلامه وتصبح حقيقة بعيداً عن القتل والدمار.

"محمد قطيش" .. صانع الفرح الحلبي القادم