أخبار الآن | عنتاب – تركيا (ميساء الحمّادي)
كان ينظر في سورية إلى الصيدلاني على أنه بديل للطبيب في حالات مرضية متعددة، فكان المريض يلجأ إلى الصيدلية ويقوم أحيانا الأخير بتشخيص مرض عارض أو موسمي ويصف له الدواء بناء على ذلك.
كان هذا يحدث في الحالات البسيطة والمستعجلة وخاصة فيما يتعلق بالأطفال الصغار بسب أمراضهم الخفيفة الدائمة والمتعارف على أنها لا تحتاج في أغلب الأحيان مراجعة الطبيب، متداركين بذلك تكاليفه المرتفعة حينها.
كانت تلك هي آلية النظام الطبي في ظل نظام الأسد الفاسد، القائم على غياب الرقابة وضعف الثقاة الصحية لدى المواطنين بشكل عام.
النظام الطبي التركي .. والأتراك يحلون المشكلة
يجد اللاجئون السوريون اليوم هذا الأمر وقد اختلف عليهم، باختلاف الدول التي لجأوا إليها. ففي تركيا حيث نتحدث، يختلف النظام الطبي فيها وطريقة صرف الدواء عما كان عليه الحال في سوريا. هذا إضافة إلى عدم توافر صيدليات سورية كثيرة وإن وجدت فهي تكون بصيغة تشاركية مع الصيادلة الأتراك، الذين يطبقون بطبيعة الحال القوانين النقابية الخاصة بهم. ناهيك عن مشكلات اللغة والمصطلحات الطبية.
يعاني اللاجئون السوريون في تركيا من هذه المشكلة حقيقة، يضاف إليها ارتفاع سعر الدواء مقارنة مع سعره في سوريا. ويستطيع المريض الاستفادة من الخصم الذي أقرته الحكومة التركية على الدواء للسوريين بقيمة 80% لكن ذلك يشترط أن يكون مسجلا في "الآفاد" وحاصلا على بطاقة "الكمليك"، وأن يراجع مشفى حكوميا ويحصل على وصفة طبية مختومة من هناك.
تقول "أم طارق": "لم يمض على وصولي إلى غازي عنتاب شهرين حتى أصيب طفلي بحساسية في عينيه، وعندما دخلت إحدى الصيدليات رفضوا إعطائه أي دواء، فاضطررت وقتها للذهاب إلى المشفى وإحضار وصفة طبية وأعطوني قطرة عينية للحساسية بلغ سعرها خمسون ليرة تركية بينما لو كان صيدلانيا سوريا لحل الأمر في نفس الساعة".
وعندما تحدثنا مع "سمر" وهي خريجة صيدلة من سورية وتتقن اللغة التركية قالت: "لقد لمس الأتراك تلك الحاجة للتفاهم مع المريض السوري ورأوا أن أعدادا كبيرة تأتي يوميا لشراء الأدوية دون الرجوع للمشافي، لهذا عمدت أغلب الصيدليات هنا لاستقدام خريجات صيدلة يتقن اللغة لسهولة التواصل معهم وبالتالي يصبح بيع الدواء أسهل وأكبر".
تجارة الأدوية .. ومخاطرها
ولكن تبقى هناك مشكلة سعر الدواء المرتفع، وخاصة أدوية مضادات الالتهاب والكريب، وهو الأمر الذي أدى ذلك لانتشار ظاهرة خطيرة وغريبة في نفس الوقت نراها في المناطق الحدودية، وهي بيع الأدوية السورية في دكاكين البقالة السورية المنتشرة في جميع المناطق وخاصة الشعبية منها.
وعندما سألنا أحد أصحابها، الذي رفض ذكر اسمه، قال بأنه يأتي بهذه الأدوية عن طريق التهريب وتقتصر على مضادات التهاب وأدوية الأطفال وحقن المسكنات المعروفة للمريض السوري "الديكلون" نظرا لكثرة الطلب عليها، ويعادل سعرها نصف سعر الدواء التركي، واقتناع السوريين أنها أكثر فعالية "فمحلول الالتهاب للأطفال يبلغ سعره في الصيدلية التركية بين 10-15 ليرة تركية بينما المحلول السوري 5 ليرات تركية، ونقوم بإخفائه في إحدى زوايا الدكان حتى لا يراه الأتراك فهو مخالف هنا".
تكمن الخطورة الكبيرة في عملية التهريب التي لا تخضع لرقابة صحية، كأن تكون مدة صلاحية الدواء قد انتهت وهي ستعطي نتائج عكسية قد تودي بحياة المريض.
حول هذه النقطة كان سؤالنا: هل مدة صلاحية الدواء المسجلة عليه هي رسمية وحقيقية، قال: "أنا من جهتي آخذ الدواء من أشخاص موثوقين ولا يدخلون إلا الدواء غير المنتهي الصلاحية".
أما عن طريقة تخزينه أو إن كان يوضع بعضها في برادات خاصة حسب التعليمات المسجلة عليه، فليس لديه مطلقا فكرة عن هذا الموضوع، فقد وضح أنه يتعامل مع الدواء كبضاعة تشابه صناديق البيبسي كولا والمواد الأخرى.
نظام طبي سوري خاص
ما يزيد اعتماد اللاجئين على الدواء المهرّب هو مراجعتهم للأطباء السوريين، الذين هم بدوهم يعملون بشكل غير رسمي وبالتالي فهم لا يعرفون شركات الأدوية التركية التي تنتج الأصناف العلاجية المختلفة فيقومون بوصف الأدوية السورية، وهو ما يحمل المرضى على البحث عن هذا الدواء الذي لا يتواجد إلا عن أصحاب البقاليات.
ويكمل المرضى علاجهم بأنفسهم فيحصل في غالب الأحيان أن يقوم صاحب البقالية بإعطاء الحقنة للمريض بناء على طلبه.
أما في المناطق الشعبية هنا، فنجد أن هذه الظاهرة هي الأكثر انتشارا، وتكاد تكون الرئيسية في الحصول على الدواء حتى دون مراجعة الطبيب.
يقول "م" أحد الباعة: "السوري يثق بالدواء القادم من سورية ويعتقد أنه أفضل من الدواء التركي وأكثر فعالية، وخصوصا أنهم يستطيعون الحصول على الكمية التي يريدونها بالنقود التي يحملونها، فمثلا بليرة تركية واحدة يحصلون حبوب "سيتامول" أو "البروفين" الذي كان لا يخلو منه أي بيت سوري".
والحقيقة، أنه الظروف الصعبة لكثير من اللاجئين من تأمين الحياة اليومية تفرض عليهم في كثير من الأحيان إلى اللجوء إلى خيارات ضمن شروط صحية أقل معتمدين على معرفتهم المسبقة بعلاج حالاتهم.
وهنا لابد من التنويه إلى أن الجمعيات والمنظمات السورية والدولية المعنية لا بد وأن تلتفت إلى هذا الجانب ولا تكتفي فقط بشؤون الإغاثة، على أهميتها هي الأخرى.