أخبار الآن | دمشق – سوريا (نور حمزة)

على وقع التدخل الروسي في سورية، بطلب ودعم من النظام، لم تتوقف الأبواق الإعلامية عن التهليل والترحيب للغزاة الجدد الذين أصر النظام على تدنيس أرض الشام بها، مع غيرهم من الميليشيات الأجنبية والطائفية الأخرى.

لكن أخر صيحات الترويج تلك كان بالتأكيد على أهمية تعليم "اللغة الروسية" في بعض المدارس السورية. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فعملية التدمير المنهجي للجيل السوري وإقحامه في التجاذبات العسكرية والطائفية هي أكثر ما تمثله تلك الخطوة العبثية من خطورة.

الثقافة على وقع مزاج السياسة

سيذكر جيل السبعينيات والثمانينات في سورية، دمشق بشكل خاص، تلك الإيديولوجيا التي طغت على مشارب الثقافة والتعليم المختلفة، من ترجمات للأدب الروسي ولمناهج الدراسة الجامعية ذات المضمون الاشتراكي، بل وحتى الانحياز الرياضي وقتها.

وإن تراجعت هذه الموجة بعد التغييرات الدولية إبان أوائل التسعينيات وغياب الاتحاد السوفييتي السابق، فإن سياسة جديدة تم اتباعها من قبل وزارات وإعلام النظام، فتراجعت تلك الإيديولوجيا مفسحة الطريق أمام انفتاح وجد نتائجه بافتتاح مدارس أجنبية وجامعات خاصة وتغيير واضح في مضمون المناهج السابقة.

فدخلت إلى الجامعات تخصصات جديدة مثل أقسام اللغة اليابانية والتركية والفارسية، رافقتها حركة ترجمات كبيرة لأدب أمريكا اللاتينية والأدب الأوربي والتركي.

لكن يبدو أن سذاجة النظام لا تزال تعامل المواطن السوري على أنه عجينة يستطيع تشكيلها متى يريد. هكذا تمت محاربة "قطر" بفتح المحطات الرياضية المشفّرة وبثها على المحطات التلفزيونية السورية الأرضية، ومؤخرا محاربة تركيا عن طريق منع "دوبلاج" المسلسلات التركية بقرار من مجلس الشعب!.

"ياسر" 38 عاما، يؤكد ما نذهب إليه، فهو موظف في وزارة الثقافة يقول: "استطاعت السلطات الثقافية في ظل نظام الأسد الأب أن توحد مقاييس للثقافة حسب علاقاتها السياسية، فأنا لم أقرأ الأدب الأميركي إلا في وقت متأخر وغير ذلك من ثقافات أخرى، وهذا ما كنا نعاني منه في الجامعات أيضا وفي المحيط الثقافي العام".

وترى الأخصائية النفسية "عبير" 42 عاما أن ما درسته في الجامعة في مرحلتها كان "لا يتعدى النظريات الخاصة بالإيديولوجيا الاشتراكية وقتها، في ظل تعتيم كبير على تطورات علم النفس في أوربا وأمريكا".

اللغة الروسية في المناهج

وحتى تكتمل الصورة كان لابد أن يترافق ذلك مع خطوة هامة، وهي استجلاب لغة وثقافة الدول التي تقف مع النظام الأسدي، فأدرجت مادة اللغة الروسية ليتم تدريسها في المناهج المدرسية.

فقد أوردت وكالة "روسيا اليوم" مجموعة من الصور لطلاب سوريين في مدينة اللاذقية "معقل النظام" وهم يتلقون دروسا في تعليم اللغة الروسية، معنونة ألبوم الصور بـ "طلاب في مدرسة سهيل أبو الشملات الإعدادية باللاذقية تدرس اللغة الروسية".

هذا الاحتفاء الروسي من جهة والترويج والتهليل من قبل النظام من جهة ثانية، يترك أكثر من تساؤل حول مدى ثقة النظام بسيطرته واحتلاله للسلطة في دمشق. ويترك التساؤل الأكبر حول درجة "الوقاحة" التي يتمتع بها أبواق النظام، فقد قال موجه مقرر اللغة الروسية في وزارة التربية أن: "اللغة الروسية هي الثانية عالمياً وأن إدخالها في المناهج حاجة تربوية أساسية".

حول هذا الموضوع يعلق "حسين" مدرس في إحدى المدارس المعدودة التي أدرجت اللغة الروسية فيها: "كنا نغير بعض الأسماء في المناهج على سبيل السخرية، لكن يبدو أن الواقع هو أشد سخرية من الخيال. المشكلة أن المدراء والمدرسين يهللون ويروجون لأي قرار صادر عن وزارة التربية حتى لو كان تافها مثل هذا القرار".

أما "سعاد" وهي موجهة تربوية في مدرسة تم تغيير اسمها لتصبح على اسم أحد قتلى النظام، فتقول: "لم يتغير الكثير منذ عهد الأب، منذ 25 سنة وأنا أراقب التلاعب بعقول الأجيال، من مادة العسكرية لطلاب الإعدادي والثانوي إلى آخر صيحات الابن بإدخال اللغة الروسية".

وكان موضوع استقدام مدرسات روسيات لتدريس اللغة في المدارس السورية مثارا لسخرية وتعليقات السوريين، سواء في الشارع الدمشقي أو على صفحات التواصل الاجتماعي، لاسيما مع ارتباط صورة الفتيات الروسيات بالملاهي الليلية.

الجدير بالذكر أن وزارة التربية في حكومة النظام كانت قد وضعت خطة لإدخال اللغة الروسية في العام الماضي كتجربة قبل أن تدرجها بشكل رسمي وفق نظام تدرجي يبدأ من الصف السابع.

التعليم والثقافة في سورية .. على بوصلة مزاجية النظامالتعليم والثقافة في سورية .. على بوصلة مزاجية النظام