أخبار الآن | ألمانيا – تحقيقات (بسام سعد)
بالرغم من تفاؤل غالبية المحللين السياسيين والاقتصاديين الألمان بقدرة السوريين على الاندماج بالمجتمع الألماني، ورغم كثرة المؤشرات الدالة على بداية هذا الاندماج .بدأت تظهر ميول للانعزال داخل المجتمع الألماني من بعض اللاجئين السوريين، فهناك من يرفض القيم الجديدة في بيئة مختلفة، وآخر من يجد في اللغة عائقا يستحيل تجاوزه، وآخرون يضنيهم الاغتراب فيبحثون عن مكان يوفر لهم ألفة افتقدوها .
قيم مختلفة وبيئة منفتحة
رغم ما يحيط باللاجئين السوريين من مبادرات إنسانية لترفع عنهم الشقاء الذي مروا به وتنزع عنهم البؤس، إلا أن ثمة ما يؤرق البعض منهم ويدفعه للعزلة.
"الخصوصية هنا تباح عكس قيمنا الاجتماعية التي تربينا عليها" هكذا يرى أبو حسن58 عاماً، القادم من ريف إدلب بصحبة عائلته والمقيم في برلين، ويتابع: "نحن من مجتمع وبيئة محافظة متدينة لا نتقبل الاختلاط بين الرجل والمرأة، عاداتنا وتقاليدنا تختلف عن عادات هذا البلد لذلك آثرت العيش في حي تتجمع فيه جالية عربية مسلمة" .
"محمد الشيخ مصطفى" 30 عاماً، يشرح الأسباب الأكثر عمقاً حول هذه الظاهرة، حيث يقول: "يطلق على الشعب الألماني لقب الماكينات من شدة احترامه للعمل والنظام فكل شيء لديهم مخطط. لا نعرف هذه القيم سابقاً ولم نمارسها في بلادنا، هنا تمارس الديمقراطية بالفعل بينما في سورية كنا تحت وطأة نظام ديكتاتوري" .
إذن هي أحكام مسبقة عن الحياة الاجتماعية في ألمانيا فهم ينتمون لمجتمع وثقافة مختلفة مما يؤثر سلبياً في قدرة وقابلية البعض على الاندماج، فيفضل العيش مع أبناء بيئته.
اللغة وسوق العمل
إن الدخول إلى سوق العمل بات أكثر صعوبة من ذي قبل، اذ يتطلب الأمر أن تكون لدى المرء شهادة عالية، وهذا يعتبر صفعة بالنسبة للذين يأتون في وقت متأخر إلى ألمانيا ولا يتحدثون اللغة بشكل جيد، أو بالنسبة للذين لم يواصلوا تعليمهم. وبهذا تحدث هوة واسعة بين الاشخاص الذين لم يدخلوا سوق العمل وغيرهم الذين يعملون كثيراً.
"نور الدين جاويش" 49 عاماً، لاجئ من مدينة دمشق ويقيم في مدينة مانهايم، يقول: "أنا لم أكمل تعليمي الإعدادي وكنت أعمل خياطا طوال عمري، كيف يمكن أن أتعلم اللغة الألمانية بعد هذا العمر، لا حاجة لي الآن للعمل وتعلم اللغة فأولادي في سن الشباب أستطيع الاعتماد عليهم في تدبير الأمور المتعلقة باللغة والمعاملات".
"سوزان" 19 عاماً،) ابنة نور الدين، استطاعت وخلال فترة قصيرة أن تنجز من اللغة الألمانية ما تستطيع من خلاله التعامل في مؤسسات الدولة. سوزان تريد إتقان اللغة بسرعة كي تلتحق بالجامعة وتحقق حلمها بأن تصبح طبيبة .
هنا بيت القصيد، "السعي وراء تحقيق الهدف" وحده يجعل السوري الهارب من نظام سلطوي وحرب طاحنة أن يتحول من لاجئ لمواطن منتج قادر على الاندماج بهذا المجتمع الديمقراطي، ولكن هل كل الشباب مستعدين للقيام بمبادرات ذاتية للاندماج في المجتمع كما فعلت سوزان؟!.
"معاذ خير الله" 23 عاماً، شاب من دير الزور ويقيم في دوسلدورف، يواجه صعوبة بالغة في تعلم اللغة ويعاني الكثير من عقلية الألمان التي يصفها بالمبرمجة، ويقول: "لا أستطيع التأقلم مع بيئتهم فهم منظمون بدقة، فهم يعيشون في قوالب ويردوننا أن ندخل بنفس القالب".
شارع Sonnenallee.. شارع العرب في برلين
هو أكثر المناطق كثافة بالسكان والمحلات التجارية، ومن أفقر مناطق برلين وأكثرها شعبية. شارع Sonnenallee يغص بالمحلات والمطاعم مثل "حلويات أم كلثوم، ملحمة الملا، مقهى السلطان، الأقصى للالكترونيات"، الأسماء مكتوبة على اليافطات باللغتين العربية والألمانية مع أفضلية في كبر حجم الخط للغة العربية. كل شيء يتم بالتفاهم باللغة العربية المتداولة أكثر من اللغة الألمانية. هنا ترى الحياة كما في البلاد العربية المشرقية وبالذات بلاد الشام.
معظم العرب الذين يعيشون منذ عشرات السنين هنا لم يتطبعوا ولم يندمجوا ثقافياً، فكل شيء يوحي بأن الثقافة العربية هي الطاغية ومن النادر أن ترى وجوهاً ألمانية .
ربما من الجيد في بعض الحالات أن يسكن في مكان واحد أشخاص يتكلمون ذات اللغة ولهم ذات الخلفية التي مروا بها. ولكن أن يكون هناك تمركز لا يحصل فيه أحد على عمل، ولا شهادة مدرسية كاملة، سيؤدي ذلك الى انتشار صورة مغايرة من الهامشية وفقدان الأمل.