أخبار الآن | عنتاب – تركيا (ميساء الحمادي)
لجأ الكثير من الأطباء السوريين إلى تركيا كالغالبية من أبناء وطنهم هربا من الملاحقات وطلبا لوضع آمن، بعد أن ضاقت سبل الحياة لمهنة هي الأكثر احتياجا من قبل اللاجئين اليوم.
قوانين عمل الأطباء
لم يتوقع الأطباء السوريون أن يجدوا الكثير من المعاناة في موضوع إيجاد عمل، خاصة مع العدد الكبير للسوريين في تركيا، الذين يحتاجون بطبيعة الحال إلى رعاية صحية للفئات العمرية المختلفة، لاسيما مع صعوبة تعلم اللغة وشرح المرض والأعراض للطبيب التركي.
لكن ما واجه اللاجئين عموما انسحب على الأطباء كذلك الأمر، من صعوبة الإقامة والعمل وما يلحق ذلك من تجهيزات طبية حسب اختصاص كل طبيب.
من أولى العثرات التي واجهها الأطباء هو قانون العمل التركي الذي يمنع من لا يحمل الجنسية التركية من ممارسة المهنة، وشكلت اللغة العائق الثاني أمامهم، لاسيما وأن عمل الأطباء الأتراك هنا يكون غالبيته في المشافي الحكومية أو الخاصة أو المستوصفات، ومن النادر وجود عيادات طبية مستقلة بسبب موضوع الضرائب المرتفعة هنا، وهو على ما يبدو نظام العمل الطبي المعمول به في تركيا بشكل عام.
حلول مؤقتة
وجد الأطباء واللاجئون أنفسهم أمام نمط جديد من التعامل بالقضايا الصحية، وهم الذين اعتادوا على نمط العيادات الخاصة للأطباء في سوريا.
أمام هذا الأمر، عمد الأطباء إلى خيارين، فإما التحقوا ببعض المنظمات الدولية والمراكز الخاصة لمعالجة السوريين بشكل مجاني، وهي بطبيعة الحال غير قادرة على استيعاب جميع الأعداد من الأطباء الذين خرجوا من سورية، أو أنهم اختاروا العمل من منازلهم بشكل سري مخالفين بذلك القوانين.
ويعتمد الطبيب في ذلك على المراجعين السوريين بالدرجة الأولى، فأصبح الطبيب معروفا في منطقته وإذا كان له سمعة جيدة في سوريا فهذا من حسن حظه، إذ سرعان ما ينتشر عنوانه كونه موضع ثقة سابقا.
معاناة الأطباء .. مخاطر العمل وهجرة البعض
لم يخل عمل الأطباء هنا من المخاطر، فهم يواجهون مشكلة إغلاق عياداتهم في أي لحظة، كما حصل في مجمع طبي فتح في إحدى مناطق غازي عنتاب يضم عيادة نسائية وطبيب أسنان ومركزا لتحليل الدم. فعندما أصبح الأتراك يقصدونه بأعداد كبيرة لرخص الأسعار بالنسبة للمشافي، وسرعان ما تقدمت الشكاوى عليه بحجة إزعاج السكان لينذروه مرتين قبل أن يتم إغلاقه.
يقول الطبيب "محمد. ك": "هذه عيادتي الثانية التي أفتتحها هنا في كراج غير مأهول متشاركا إياه مع طبيب أسنان آخر. إنني أعيش في حالة خوف مستمر فلا أفتح الباب لأحد غريب إلا إذا كان قد أخذ موعدا مسبقا، وأعمل في ساعات الصباح فقط حتى لا يشعر أحد بأصوات المعدات ولا أعلم إلى متى سوف يستمر هذا الحال رغم وعود الحكومة التركية بتسوية وضع الأطباء لكن لا يوجد حتى الآن أي تطبيق على أرض الواقع".
هذا بالنسبة للأطباء، أما الحال بالنسبة لطبيبات النسائية فالوضع أصعب بكثير، فهي يجب أن تمتلك جهاز "إيكو" للتصوير ومراجعيها أكثر بكثير، وعليها إخفاء ذلك فعمدن أغلبهن لفتح عياداتهن في أبنية غالبيتها من السوريين ليجعلوا الأمر أخف وطأة وبعد عدة أشهر يغيرن عنوانهن إذا لاحظوا وجود بعض الشكاوى.
لم تقتصر الصعاب على هذا فحسب فقد أتت بعض المصاعب من السوريين أنفسهم حين بدأت بعض القابلات بالادعاء بأنهن طبيبات نسائية ويزاولن المهنة بخبرتهن البسيطة، وعندما يواجهن مشكلات في عملية ولادة أو نقل دم تكتشف هويتهن، وهو ما يفرض ضرورة تنظيم عمل الأطباء السوريين هنا.
هذا الأمر انعكس على المراجعين السوريين أيضا، فباتوا يخشون من طبيب جديد أو غير معروف عندهم في سوريا حتى ولو كانوا جيدا في عمله، ناهيك عن بعض التشهير على صفحات التواصل الاجتماعي من البعض لتنتشر الإشاعات دون التأكد من صحتها لتقضي على اسم الطبيب ومهنته. وهكذا وبسبب من ظروف العمل المضنية عمد بعض الأطباء إلى اتخاذ قرار الهجرة إلى أوربا، فهناك ربما يجدون بصيص أمل بالنظر في وضعهم ومساعدتهم ريثما يتعلموا اللغة ويصبحوا قادرين على البدء من جديد.