أخبار الآن | ألمانيا – تحقيقات (بسام سعد)
ثلاثة أشهر على وصول "صبري" وعائلته إلى ألمانيا، بعد رحلة شاقة ومبالغ طائلة دفعتها هذه العائلة ثمناً للوصول هنا. علاج صبري والحياة الآمنة والهادئة كان مقصد هذه العائلة التي أجبرت على الفرار من الموت رغم تعلقهم الشديد بمدينتهم حلب .
فرار العائلة من معشوقتهم حلب
لم يعد "أبو صبري" الطبيب البيطري، قادرا على مواصلة عمله في حلب، حيث أجبر مراراً على قضاء الليل في مكان عمله بسبب الاشتباكات المسلحة على الطريق المؤدية إلى منزله. يقول: "لم أتوقع أن يأتي يوم دون صبري، لقد عشت ليالي صعبة بالبعد عنه، فهو باكورة أبنائي، وغيابي عنه يجعله في توتر دائم لشدة تعلقه بي" .
عائلة أبو صبري مكونة من ثلاثة أطفال وأمهم ربة المنزل التي وصفت الحرب في سورية بالكارثة وترى أن: "الحرب أجهزت على أمل العلاج لابنها صبري، بل إنها تسببت بتفاقم الحالة لديه، فأصوات الانفجارات والدمار وحالات الرعب كانت كفيلة بتدهور حالته".
لم يعد لهذه العائلة خيار آخر سوى الفرار رغم صعوبة المهمة بوجود صبري، فقد ضاقت بهم السبل "الحياة تكون أصعب بوجود أطفال، لا دواء ولا ماء ولا كهرباء ولا حليب، كل هذا جعل الحياة مستحيلة في حلب، فقررنا الهرب والتوجه إلى تركيا"، تقول الأم.
أبو صبري الذي يهز وجدانه ذكرى حلب يضيف وهو يكفكف دموعه: "فقدت كل شيء ولقي أخي مصرعه ولا أريد أن أفقد ابني أيضاً".
رحلة مؤلمة .. طويلة ومكلفة
بسبب الظروف الصحية لصبري كان على أبي صبري اختيار طريق يضمن له وصول العائلة بأمان إلى ألمانيا، فخطط طريقه من تركيا إلى اليونان عبر قارب سياحي "يخت" ومن ثم يستقل طائرة الى ألمانيا. وبهذا يكون قد ضمن سلامة الطريق رغم تكاليفه الباهظة .إلا ان ما حدث كان مغايرا لحساباته.
"انتظرنا ما يقارب 12 ساعة في جبل بالقرب من مدينة مرمريس، وانطلقنا ليلاً لمدة ساعة نزولاً من الجبل إلى ما يسمى النقطة، وهي نقطة انطلاق القارب. كانت مسيرة صعبة حيث كنت حاملاً صبريوزوجتي تحمل كرسيه والأطفال يحملون الحقائب، وعندما تعثرت بالمشي تطوع لاجئ وحمل عني صبري بقية الطريق".
لم يكن لمواصفات اليخت المغايرة للاتفاق، ولا للمدة التي قضاها في البحر بحجة التمويه أثرا كبيرا في نفس الوالد، بقدر ما حصل معه عندما وصلوا للساحل الخلفي لجزيرة "سيمي". فقد وضعهم اليخت على ساحل صخري شديد الانحدار، وهنا كانت مشكلة الصعود بوجود صبري، وبعد محاولات الاتصال بخفر السواحل اليوناني التي باءت بالفشل قررت المجموعة الذهاب على أمل العودة بخفر السواحل. ولكن ما حدث أن الاستجابة تمت في اليوم التالي مما اضطرهم للمكوث ليلة كاملة على الساحل في طقس بارد بلا ماء ولا طعام: "كانت ليلة سوداء. لا أستطيع التحدث عن التفاصيل لأن كل مفردات العالم لا تكفي لوصف صرخة صبري وهو يرتجف من البرد " يقول الأب.
مكثت العائلة في أثنيا قرابة الشهرين، فشلت خلالها في سبع محاولات للسفر بالطائرة مما أدى لاستنزاف المال، وفي النهاية يبتسم القدر لهذه العائلة وتعلن ألمانيا فتح حدودها.
عائلة صبري في ميونخ
لم تشعر عائلة صبري بالمعاناة في ألمانيا منذ وصولها، لا في مركز الإيواء بمسنة "ميونخ" ولا في إجراءات الإقامة ولا السكن فيما بعد، ويعود الفضل لصبري كما تقول والدته.
فمنذ وصول العائلة لألمانيا وجد صبري اهتماما لافتا مما سهل إجراءات الإقامة والسكن .يذكر أن المانيا قامت بوضع بنية تحتية تراعي الاحتياجات الخاصة للمعاقين، في وسائل المواصلات والمؤسسات التعليمية والمرافق الخدمية. وهناك تسهيلات حكومية اجتماعية واقتصادية كبيرة. وتعتبر المانيا أولى بلدان العالم في ابتكار تقنيات حديثة تساعد المعاقين على التغلب على الكثير من المشاكل التي تعترضهم .
اخيراً ورداً على سؤالي: هل ألمانيا تستحق كل هذا العناء؟ .
أجابت أم صبري: هنا الحياة آمنة وهادئة لكنها غير وردية، ولا يوجد مثل حلب. وأجاب أبو صبري "صبري وأطفالي هم من استحقوا هذا العناء".