أخبار الآن | دمشق – سوريا (آية الحسن)

مما لاشك فيه أن كلمة "موت" أصبحت مرادفاً للحالة السورية بما تحملها من الألم والفقدان الذي يعاني منه الشعب السوري. ورغم التأقلم والإنكار فإنه لا يمكن أن نقول أنها لم تؤثر على أسلوب الحياة وطريقة التفكير حتى وصل تأثيرها للأطفال ودخلت عقولهم وأصبحت ضمن قائمة ألعابهم المفضلة. تتراوح قسوة الحالة في عقل كل طفل حسب وعيه ووعي أهله بضرورة التحدث معه حول غياب الأقارب والأقران.

إنكار دائم ووقوع في الذكريات

"لمى" 7 سنوات، تتحدث دائماً عن صديقتها المختبئة في الخزانة بعد أن توفيت الأخيرة خلال إحدى الغارات الجوية على غوطة دمشق، حيث كانت الطفلتان تلعبان "الغميضة"، وإلى الآن مازالت صديقة لمى مختبئة منها.

"ميرا" 12 عاما، تقول أن معلمة الصف هي من قتلت والدها، حيث طلبت منها قبل يوم من وفاته حضوره شخصياً لاجتماع أولياء الأمور في المدرسة، وفي اليوم التالي قُتل الأب خلال اشتباكات عنيفة بين الجيش الحر وقوات النظام في ريف دمشق عام 2012.
ويقول "سعيد" 15 عاما، بأنه مدرك تماماً أن والدته ما زالت تتحضر لعرس خالته، فقد توفيت الأم إثر وقوع قذيفة على حي "دف الشوك" جنوب العاصمة دمشق عام 2013.

أما "علي" 11 عاما، فيخبرني عن عمه الذي كان يحبه كثيراً ويأخذه معه أينما ذهب، فلم يخرج علي من ذكرياته منذ أربع سنوات، الأمر الذي يحير الأهل كثيراً، توفي العم عندما كان عمر علي سبع سنوات وقاموا أهله بإخفاء الموضوع عنه كي لا يؤثر عليه، ولكن يبدو أن الأمور قد ازدادت سوءاً.

وهذا حال "لجين" 10 سنوات، التي فقدت أختها الكبرى وإلى الآن تتحدث عنها وكأنها موجودة بينهم، وأصبحت تعتاد على النوم في فراشها واستخدام أدواتها وملابسها.
تقول "منال" 30 عاما من حي الميدان الدمشقي، أن طفليها لم يتوقفا عن ذكر والدهما المتوفى، حتى أنهما ينتظران عودته كل يوم، هذا الأمر الذي يصّعب عليها  تجاوز الموضوع أيضاً، إضافة لاعتبارهما أن الموت لعبة يلعبانها كل يوم. فيقوم أحدهما بالتمدد على الأرض بينما يأخذ الأخر بتلاوة القرآن عليه، وعندما تسألهما ماذا تفعلان يقولان أنهما يلعب "موت".  

ماذا يقول علم النفس؟  

قد يختلف إدراك موضوع الموت عند الطفل حسب عمره، فبالنسبة للأطفال قبل عمر ست سنوات فإنهم يجدون صعوبة في فهم اختفاء شخص ما للأبد، أما الأطفال الأكبر سناً فهم أكثر فهماً لحقيقة الموت ومع ذلك تظهر لديهم سلوكيات وردود أفعال مختلفة حيث من الممكن أن يتحول البكاء والذهول والسؤال المتكرر عند الأطفال عن الموتى إلى حالة إنكار.

وترى "سحر. م" المرشدة النفسية أنه من الأساليب الناجحة للتخفيف من وطأة هذا الأمر هي الرد على أسئلة الطفل والاستماع له عند رغبته بالحديث والتحدث عما شاهده وخَبِره خاصة أثناء موت أحد ما أمامه، وتشجيعه على تذكر الأحداث، ولكن يفضل الابتعاد عن التفاصيل المؤلمة.

أما "صفوان" المختص الاجتماعي فيرى أن الموضوع متروكا للأهل، إذ يجب أن ينتبه الأهل إلى ردود أفعالهم في هذه المواقف، حيث يكون ردّ فعل الطفل عبارة عن محاكاة لتصرفات الكبار التي يراها حوله، لذا عليهم محاولة التصرف بهدوء وسكينة أمام الطفل، بالإضافة لتزويده بمعلومات تتناسب مع مستوى فهمه وعمره، فالفائض من المعلومات قد يربك الأطفال ويسبب لهم المزيد من الخوف وعدم الاطمئنان.

ويعتبر العلاج باللعب من الطرق الجيدة لذلك، فالرسم والرقص والغناء والتمثيل ونشاطات أخرى تعتبر من أهم أشكال العلاج النفسي للتنفيس وتجاوز التجارب المؤلمة وتشكيل عادة جديدة للاستجابة لموقف مماثل، وبالتأكيد تساعد الطفل على نسيان أمر موت والفقدان وتعوضه بملء وقته بالنشاطات.

لكن السؤال الأكثر خوفا هو: هل اعتدنا نحن السوريون الموت وبات جزءا من تكويننا وحياتنا!. لقد شوه العنف الذي يمارسه النظام شكل حياتنا كليا وبات حتى سماع أخبار الموت كسماع أخبار الطقس، وهو سيبقى كذلك طالما بقي نظام العنف والإجرام في سوريا.