أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (مها رباح)
لم تصدق "آمنة" وفاة ابنها "علاء" المعتقل داخل سجون النظام إلا بعد ان أعطاها الموظف في الشرطة العسكرية في "القابون" بدمشق هويته الشخصية وبعض أمتعته الخاصة التي كان يحملها حين اعتقل.
آمنة 60 عاما، واحدة من أهالي المعتقلين الذين عاشوا على أمل اصطنعه لهم الكثير من صيادي الماء العكر كالمحامين المحتالين ممن يدعون الوصول إلى المسؤولين في النظام وتوسطهم للمعتقلين.
ظلم النظام
"أبو عبدو" من كفرنبل 70 عاما يقول بأن ولده في السجن منذ ثلاث سنوات ونصف بسبب قريب له معروف بعمالته للنظام، فاعتقل ابنهم من مبنى الهجرة والجوازات في إدلب بينما كان ذاهبا لاستلام جواز سفره، حسب قوله.
تضيف "أم عبدو": "أعتقد أن أبني اعترف تحت التعذيب بتهم باطلة لعدم قدرته على تحمل التعذيب وهذا بناء على ما سرب إلينا من داخل الأمن السياسي في إدلب حينه. "
أما "أبو أسعد" فابنه طالب جامعي اعتقل من جامعة حلب أيضا لأسباب مجهولة، يقول: "كل ما نعرف أنه كان يتنافس مع زميل له ويختلف معه على حب فتاة في الجامعة وقد هدده زميله يوما أن يؤذيه إذا لم يبتعد عن طريقها، ولم يمض شهر على هذا التهديد إلا واعتقل ولدي من سكن المدينه الجامعية. منذ سنتين ونصف ولا أعرف عنه شيئا".
أشكال متعددة للاستغلال
تقول آمنة: "منذ عام إلى الآن والمحامي "س" من دمشق يطمئنني بأنه يعمل على التوسط له لدى المسؤولين ويسعى لإخراجه من السجن بطرق معينة مع أن تاريخ وفاة ولدي يحدد أنه منذ سنة وثلاثة أشهر!" وتضيف أنه كان يأخذ في كل مرة مبلغا من المال، وقد بلغ ما أخذه لغاية الآن مليون ونصف ليرة سورية، على أنه كان ينوي أخذ بقية المبلغ وهو مليون آخر بعد خروج ولدي من السجن، على حد زعمه.
استدلت العائلة فيما بعد على شخص من دمشق نصحهم بأن أخبار المعتقلين الصحيحة يتم العثور عليها من مركز الشرطة العسكرية في القابون بدمشق، فما كان من أمه إلا أن ذهبت أخيرا لذلك المكان وتحققت من كذب المحامي.
يقول والد المعتقل "علاء": "رغم أني حزنت على وفاة ولدي كثيرا إلا أنني حزنت أكثر على وفاة ضمير ذلك الشخص الذي ادعى وصوله للنظام وقدرته على الوساطة وقد نصب علينا كل هذا المبلغ من المال مستغلا عواطفنا وخوفنا على ولدنا".
وتتنوع أشكال المستغلين لظروف الثورة وأهالي المعتقلين ليبرز نوع آخر عاش بين الناس واحترف الخداع حتى كسب شعبية وشهرة واسعة.
"واهب" محامي مدني سابق 47 عاما، بعد تحرير مدينته "كفرنبل" وما حولها لم يعد له عمل في منطقته بسبب استلام المحاكم الثورية لأمور الحكم، فأراد استحداث عمل جديد فبات يستقبل أعدادا غفيرة من أهالي المعتقلين كل يوم في بيته بدعوى أنه يساعدهم في تقصي أخبار أبنائهم ومساعدتهم.
"محمد" واحد من أولئك الناس الذين كانوا يذهبون إليه من أجل متابعة أخبار أخيه المعتقل، يقول: "كان واهب يعطيني أخبارا دقيقة فيما يتعلق بتواجد أخي ومكان سجنه بناء على اتصالات بسيطة يجريها مع معارفه في دمشق، وكان يدّعي أنه يساعده، وكان يقول "لقد كان حكم أخيك ميداني والحكم الميداني صعب لأنه يتم فيه الخضوع للمحاكمة بدون محامي والآن سوف أسعى لنقل حكمه من ميداني إلى محكمة إرهاب وعندما يتم نقله لحكم الإرهاب نستطيع وضع محام له وبالتالي نعمل على خروجه من السجن".
يفيد محمد بقوله أنه في كل مرة يذهب إليه كان يشك بأنه يكذب عليه ولكن لم يكن أمامه سبيل آخر حسب وصفه ويضيف: "بقيت ذلك مدة إلى أن اكتشفت مع الوقت أنه يكذب علي ولحسن الحظ كنت واعيا فاشترطت عليه أن لا أعطيه أي مبلغ من المال حتى أرى أخي خارج السجن". ولكنه كان يأسف على هؤلاء الناس الذين يذهبون إليه وفي كل زيارة يغدقون عليه الكثير من الهدايا. ولكن الآن ينوي "واهب" الهجرة إلى ألمانيا هربا من الوعود الكاذبة التي أعطاها للناس من جميع قرى الريف في إدلب، حسب قوله.
"الشيخ محمد" 75 عاما، يبين حرمة الإضرار بالناس سواء بالاحتيال أو الانتقام وساق حديثا للرسول محمد(ص) في حرمة ذلك حيث يقول برواية عن سعد بن مالك أن رسول ألله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ضرر ولا ضرار"، ومعنى ذلك تحريم التسبب بالضرر والأذى للناس بشتى أنواعه سواء أذى نفسي أو مالي أو معنوي وجسدي.