أخبار الآن | درعا – سوريا (محمد الحوراني)
لا يزال النظام يقدم، يوما إثر يوم، سيناريو متكرر عن الهمجية التي يعامل بها الشعب السوري بكل مكوّناته البشرية والثقافية والحضارية. وربما ليس غريبا على من يستبيح دم الشعب أن ينسف تاريخه بالمدفعية والبراميل، وهذا ما حدث في درعا.
فقد أعلنت "دائرة آثار" بصرى الشام يوم الثلاثاء أن النظام السوري قصف "قلعة بصرى" الأثرية؛ أهم القلاع الأثرية في العالم، ببرميلين متفجرين ألقته مروحيات النظام داخل القلعة، مما أدى إلى دمار كبير في القسم الغربي منها.
واستنكر مدير "دائرة آثار بصرى الشام" السيد "سليمان العيسى الصمادي" في حديثه لأخبار الآن ما حدث، إذ لا يوجد مبرر للنظام بقصف القلعة والمدرج الروماني تحت أي ذريعة كانت كتواجد "مسلحين" أو غير ذلك، فهذا تراث عالمي ويجب الحفاظ عليه مهما كانت توجهاتنا السياسية.
تدمير منظّم لتاريخ سوريا
وأضاف الصمادي أن القلعة الأثرية كانت مقراً رئيسياً للنظام قبل تحريرها على مدار السنوات الأربع الماضية، وكانت مركزاً هاماً لإطلاق الصواريخ الحرارية وقذائف الهاون، ولم يستهدفها الجيش الحر حينها ولم يُحدِث الأضرار كما يفعل النظام اليوم، مشيرا أن هذه ليست هي المرة الأولى التي يفعلها النظام، فقد أسقط "سرير بنت الملك" بإحدى دباباته أواخر عام 2012.
وكشف الصمادي أن دائرة آثار بصرى الشام توجّهت لمنظمة اليونسكو الدولية بكتابين، أولهما دعوة للمنظمة للتعاون مع الدائرة من أجل حماية التراث الإنساني، والثاني يتضمّن دعوة للاطلاع على آثار مدينة بصرى الشام، والوقوف على الدمار الذي أصاب أجزاء منها، كما تم إرسال مخطّط قلعة بصرى الشام ومحيطها للمنظّمة، ويتضمّن المنطقة التي تعرّضت لقصف جيش النظام.
وفي حديث خاص لأخبار الآن، أفاد السيد "أسامة المقداد" مدير المكتب الإعلامي لفرقة "شباب السنة"، وهي فصيل تابع للجيش الحر مهمته حماية بصرى الشام من النهب والتخريب؛ بأن "الاستهداف المباشر لأم الحضارات، والمسجلة على لائحة التراث العالمي في اليونسكو، هو محاولة من النظام لمحو الآثار الرومانية والإسلامية في بصرى الشام".
وأشار المقداد أن الآثار الرومانية تعود لمنتصف القرن الثاني بعد الميلاد، وأن التدمير الحاصل كبير جدا، حيث دُمرت الباحة السماوية الغربية للمدرج الروماني مما سبب صدعا كبيرا بالبرجين الثاني والرابع وهما مهددان بالسقوط في أية لحظة، إضافة الى انهيارات داخلية في بعض الخنادق.
على خطى داعش
يسير النظام، باستهدافه آثار وتاريخ سوريا، على خطى داعش، وهو بذلك يكرس نفسه كقوة همجية تحارب حضارة الشعوب، ويوضح بالمقابل أن الثورة السورية هي: "ثورة حضارية إنسانية تهدف إلى بناء الإنسان والحضارة" على حد تعبير قائد "فرقة شباب السنة" أحمد العودة في حديثه لأخبار الآن، فـ "داعش هو صورة للنظام، سلوكهما متشابه في القتل والتدمير وهدم الحضارات والإنسانية".
ويوضّح العودة: "نحن لم نستخدم القلعة كموقع عسكري كما فعل النظام عندما كان يسيطر عليها، فعلى العكس تماما قمنا بالتنظيف والترميم ووضع الحرس ومجموعات حماية لكافة المواقع الأثرية وأسسنا مديرية آثار بصرى، وتشهد القلعة حركة للسياحة الداخلية. ومن المؤكد أن النظام سوف يعمل على تشويه الصورة الحضارية التي رسمناها لبصرى لأنه لن يكون سعيداً حين يكتشف العالم والمجتمع الدولي الفرق بين عنايتنا بالآثار وحجم الدمار الذي ألحقه النظام به".
وبحسب صور الأُقمار الصناعية وتقرير "معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث" فإن 290 موقعاً أثريا مختلفا في سورية تعرض للتدمير، و104 لأضرار جسيمة و85 لأضرار متوسطة و77 لأضرار مختلفة، وكان النظام مسؤولا عن جزء كبير من هذا الدمار خاصة في مدينة حلب عندما تسبب قصف النظام بإحراق السوق الأثري في المدينة كما أدى قصف النظام لقلعتي المضيق والحصن لانهيار أجزاء منهما.
جدير بالذكر أن "دائرة آثار بصرى" أنشئت حديثاً بعد تحرير المدينة من قوات النظام أواخر آذار الماضي، ووظيفتها توثيق وترميم المعالم الأثرية المتبقية بعد أن كان النظام قد حولها مركزا لعملياته العسكرية قبل تحريرها.