أخبار الآن | دمشق – سوريا (نور حمزة)

ليس من السهولة الحديث عن الحالة الثقافية داخل سورية في عام مضى، بعد أن بات نصف الشعب السوري مشردا بسبب نظام لم يزل يمارس هوايته في الانحدار نحو الدرك الأسفل من سلّم الإنسانية.

ما هي سوريا تلك التي يمكن الحديث عن حركة ثقافية فيها بعد كل ذلك الدمار والقتل اليومي، والعنف المتزايد على معيار الهبوط الأخلاقي.

الفن والثقافة .. والثورة

ليس من باب التبجح مطالبة المثقف والفنان على اختلاف الميدان الذي يبدع فيه أو يقدم منتجه الثقافي بالانحياز إلى جانب الثورة، فلطالما كان الفنان معني أكثر من غيره بالبحث عن شروط وظروف أكثر متسعا ومساحة لحريته وإبداعه، لكن الحقيقة داخل سوريا هي عكس ما نتصور تماما.

وهو ما يفتح السؤال مشرعا حول فائدة النشاطات الثقافية والفنية، المنفصلة عن الواقع السوري، في ظل موت وفقر وتشريد ونزوح داخلي؟!.

لم يغب منظّرو "السلطان" عن الواجهة الثقافية في سوريا، فعملت الأقلام على استنساخ رواية النظام عن الثورة وتم التطبيل والترويج لسياسة الغرق في المستنقع الأخلاقي المتردي للنظام فباتوا أزلاما له بامتياز.

"م. ع" شاعر شاب من مدينة السويداء، يقول أن الكتاب والإعلاميين في الداخل السوري لم يكتفوا بالموقف الرمادي بل أصروا على تقديم ولاءات الطاعة والترويج لسياسة القمع والقتل والإرهاب، أما جيل الرفض من الشباب فقد آثر الخروج من جحيم دمشق التي تتلون على مزاج الأقلام المأجورة.

غير بعيد عن الكتاب والإعلاميين، يبدو صناع الفن المرئي على درجة واحدة من الاستهتار بآلام الشعب، فأُنتجت بعض الأفلام السينمائية لمخرجين أقل ما يقال عنهم أنهم "شبيحة" الفن السوري، في ظاهرة ربما تكررت في عهود الفاشية والنازية فقط.

هكذا تطالعنا أسماء مثل: جود سعيد، محمد عبد العزيز، ونجدت أنزور الذي صور أعماله برعاية جيش النظام الذي يقتل الشعب السوري يوميا.

مسرح وموسيقى على صوت القذائف

ماذا يهم أهالي دمشق والنازحين فيها من عروض المسرح والرقص والغناء وهم يسمعون سيمفونيات الموت والقصف والسلاح اليومي في شوارع باتت محتلة من شبيحة النظام وحول دمشق إلى ثكنة عسكرية.

المسرح كان له حضوره في "أيام" دمشق الثقافية، تمويل من جهات داعمة ثقافية وعروض للمسرح الرسمي التابع لمديرية المسارح والموسيقى، وتمويل خارجي صبت كل المشاريع المسرحية في النهاية في الحديث عن مكان لا يشبه ما يجري في دمشق. ولعل المثال الصارخ هو عرض "زجاج" الأخير للمخرج أسامة غنم، إذ لا يستقيم الحديث عنه إلا بالعرض "الجبان" الذي لا يخشى قول نصف الحقيقة فقط، بل يخشى الولوج إلى عتبة الألم السوري اليومي. عندما حضرنا عرض المسرحية كان السؤال الذي يشغل بالي والكثيرين أعتقد: ما الذي يميّز الفنان المزيف عن الشبيح!؟

تقول "ل. ع" من خريجات المعهد العالي للفنون المسرحية، أن أشباه الموهوبين استغلوا فرصة خروج مناصري الثورة من سورية بسبب القمع والملاحقة، ففتح الباب أمامهم في عروض مسرحية ضحلة وبعيدة عن الواقع السوري، والدليل على ذلك هو النصوص التي تم تقديمها وهي قديمة وتعود لحقب زمنية بعيدة وتحاكي الأزمات في الثقافة الأوربية أو الأمريكية.

شهد 2015 عدة تجارب مسرحية كذلك لشباب من خريجين المعهد العالي للفنون المسرحية، وعلى خطى مدرسيهم حققوا ذات المعادلة في سطحية تناول الأزمة فبدت دمشق "غاضبة" على ياسمينها الذ دمره أساسا نظام الأسد الأب والابن على التتالي. نذكر منها عدة عروض أقل ما يقال أنها تعيسة كعرض "علاء العالم" لا مخرج، وعرض "سكتة قلبية" كواحد من أسوأ العروض المسرحية منذ عقد من الزمن.

تنتصب دار الأوبرا "دار الأسد للثقافة والفنون" وسط ساحة الأمويين، معلنة برنامجها المسرحي والغنائي والراقص!. وكم هو مهين رؤية المهتمين وهم يذهبون للاستماع إلى حفلات للموسيقى الكلاسيكية أو الحديثة بينما أصوات المدافع غير بعيد تعزف لحن الموت والدم على أبناء جلدتهم.