أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (هاديا المنصور)

أمسكت "علياء" 22 عاما، ريشتها وراحت ترسم ما يجول في خاطرها من مآس ومعاناة ولم تتوقع أن تبدع لوحة فنية رائعة استحقت أن تعرضها في المعرض الفني للرسم والسيراميك الذي أقامته نساء جبل الزاوية في قرية "معرة حرمة" التابعة لريف إدلب الجنوبي.

أقيم المعرض في 3-1-2016 بحضور عدد كبير من الناشطين والإعلاميين، الذين أبدوا دهشتهم من المستوى الفني الراقي الذي استطاعت نساء قرويات بسيطات من التوصل إليه. هذا ما يعبّر عنه الإعلامي "هادي العبد لله": "الحقيقة أن المعرض أعجبني فهو ناجح من جهتين، من جهة الرسم الذي يحوي لمسة فنية، ومن جهة الأفكار فهي معبرة فعلا"، ويضيف مبديا تفاؤله من وجود نساء وفتيات يتعبن ويحاولن بكل الوسائل التعبير عن أنفسهن وقد استطعن خلال مدة قصيرة أن  يبدعن ثورة نسائية مميزة في ريف إدلب الجنوبي من خلال ما يقمن به من نشاطات في مختلف المجالات.

الفكرة والتحضيرات والمعرض

ضم المعرض لوحات سيراميك ورسومات مختلفة، الرسومات تحدثت عن جانب من معاناة المرأة والشعب السوري خلال الثورة، أما لوحات السيراميك والتحف فقد أشرن من خلالها إلى المستقبل الزاهر المتوقع لنهاية الثورة، والربيع العربي الذي لن يكتمل إلا بانتصار الثورة السورية.

تقول "أم عبدو" 42 عاما، مديرة "مركز نساء معرة حرمة" وصاحبة الفكرة بإنشاء المعرض: "لوحات يتجلى الرقي في شكلها ومضمونها أبدعتها النساء، إنها المرأة السورية القادرة على الإبداع والتميز ورغم كل الظروف".

أما عن آلية التحضير للمعرض وكيفية تعليم النساء الرسم والسيراميك فتقول: "الفن كان موجودا عند الفتيات اللواتي انضممن للدورة المعلن عنها وكان لديهن الاستعداد للتعلم، ما قمنا به هو إخراج المؤهلات وتنمية المواهب لديهن"، وتؤكد أم عبدو أنهن بتحضير لوحات الرسم لم تواجههن أية صعوبات لأن المواد موجودة ومتوافرة، أما السيراميك فقد لقين صعوبة في تأمينه بسبب الأزمة والحرب، ومع هذا استطعن تأمين المواد من خلال جلبها من محافظات أخرى، وقد استهلك العمل بلوحات السيراميك الكثير من الوقت والجهد.

التدريب واللوحات

بدأت الدورة الفنية بحضور 20 فتاة وهن من أبدعن وعملن على التحضير للمعرض، وقد واجهتهن مشكلة التوقف عن الدورة بسبب امتحانات الفصل الدراسي الأول، كون بعضهن يتابعن دراستهن، وهنا قامت أم عبدو في سبيل استمرار الدورة بإعطاء الفتيات المواد اللازمة لمتابعة العمل بلوحاتهن في منازلهن دون الاضطرار للحضور للمركز طيلة فترة الامتحانات، والنتائج كانت غير متوقعة، بحسب أم عبدو، فقد كانت اللوحات في غاية الدقة والفن والجمال، وهذا مادفع أم عبدو لإقامة معرض خاص لعرض هذه اللوحات.

"نور" 28 عاما، خريجة فنون تشكيلية من جامعة دمشق، وهي من أشرفت على تعليم الفتيات الرسم، تقول: "استغرقت الدورة شهرين، قمت من خلالها بتعليم الفتيات الخطوط الأساسية للرسم، ثم طلبت منهن أن تضع كل فتاة فكرة في رأسها وتعمل على رسمها"، وقد وجدت "نور" أن بداخلهن حس فني بداخلها وهي قادرة على تطبيقه على أرض الواقع ببعض من الدعم والمساعدة، وهذا ما حدث فعلا عندما أبدعن لوحات معبرة تحاكي ما آلت إليه الأوضاع، فهي تعبر عن واقع الثورة السورية.

أما معلمة السيراميك "أمل حسين غريبة" 37 عاما، فقد بدأت حديثها بالشرح عن مادة السيراميك بأنها عبارة عن عجينة من نشاء وغرا بيضاء إضافة لعلب طلاء بخاخ ملون، وبدورها تشكر مركز معرة حرمة ومنظمة اتحاد المكاتب الثورية التي تكفلت بتأمين المواد وبكافة المصاريف.

استمرت دورة السيراميك شهرين أيضا، وبرأي غريبة أن الإنتاج كان ممتازا رغم قصر المدة ولكنها لو كانت أطول من ذلك كان من الممكن إنتاج المزيد من اللوحات السيراميكية الرائعة، ذلك أن مجال السيراميك واسع جدا.

وتشير الغريبة أن هذه الدورات ستستمر وسيكون هناك معارض أخرى باعتبار أن المعرض الأول هذا قد لقي استحسانا من قبل جميع الزائرين، وتم خلاله بيع العديد من اللوحات وبأسعار جيدة.

المشاركات في المعرض

"إيمان" 25 عاما، هي إحدى المشاركات بلوحات المعرض وكان لها إنتاج لوحتين، الأولى لوحة لزهور ملونة مصنوعة من السيراميك والأخرى لامرأة تغرق أثناء هجرتها واضعة رضيعها فوق قطعة خشبية لينجو بحياته، تقول: "سابقا لم يكن لدي أية فكرة عن العمل بهذا المجال، ولكن هنا في مركز معرة حرمة تعلمنا هذا الفن وأحببناه وأبدعنا من خلاله"، لقد وجدت إيمان في هذا الفن خروجا من الواقع المرير الذي تعيشه من قصف ودمار ونزوح وتشرد وغلاء وخاصة بعد أن أصبحت أرملة ولديها ثلاثة أطفال.

"ريهام" 24 عاما، هي أيضا إحدى المشاركات في المعرض، تقول: "بما أن السيراميك لا يمكن تطويعه كثيرا فقد ركزنا على اللوحات الزخرفية والورود، مثلا لوحة خريطة سوريا التي يخرج منها ياسمين الشام رمزت من خلالها لمستقبل الثورة السورية التي ستزهر بالنصر المبين إن شاء الله"، أما لوحات الرسم فتشير ريهام أنها تحكي واقع الثورة وما تلاقيه من مآس كلوحتها التي تظهر فيها المرأة على شكل شجرة مقطعة الأغصان من القصف ومع ذلك فهي لا تزال تطرح أغصانا جديدة. 

"غالية الرحال" مديرة مراكز مزايا النسائية والحائزة على جائرة المرأة الشجاعة والثقة من وكالة رويترز حضرت المعرض وعبرت عن رأيها به قائلة: "رغم كل الظروف المأساوية التي تعيشها المرأة، يوجد بداخلها القدرة على الفن والتحدي والتميز، إنها تثبت كل يوم أنها تقود ثورة في ريف إدلب في جميع المجالات، فقد عبرن من خلال هذا المعرض بأنهن أصحاب رأي وأصحاب قرار ولسن فقط محصورات بالمطبخ والأعمال المنزلية، وإنما من الممكن بأن تكن أكثر من ذلك ممكن فنانات، ناشطات، معلمات ومتدربات".

"خالد العيسى" 24 عاما، إعلامي في كفرنبل حضر المعرض وعبر عن إعجابه به حيث يقول: "أظهر المعرض جانبا هاما من المعاناة التي تعيشها المرأة وجميع الشعب السوري".

وبدوره "رائد الفارس" 42 عاما، رئيس المكاتب الثورية والراعي للمعرض والداعم له فهو يتوجه بالشكر لكل امرأة وفتاة تمردت على واقعها المؤلم وخرجت من بيتها وحاولت التعبير عن نفسها ومحددة موقعها الهام في المجتمع من خلال مشاركتها الفاعلة فيه.