أخبار الآن | بيروت – لبنان (خاص)
"من خرج من منطقة الحصار تم قتله على الحواجز، بعض العناصر على الحواجز كانوا يفتشون السيارات التي تحمل النساء والأطفال، وعند الاشتباه بأي طفل أنه قد يكون مع الفدائيين كان يتم قتله على الفور بأبشع الطرق، حتى النساء لم تسلم من الاعتقال والقتل والخطف لجهات مجهولة، كان الانتقام وحشياً بعد صمود أسطوري استمر 52 يوماً متواصلاً، استخدم الجيش السوري كل الوسائل حتى يسقط كل المقاتلين الموجودين في الداخل".
هذا لم يحدث في سوريا كما تتوقع أيها القارئ، وإنما حدث في أواخر عام 1967 في مخيم "تل الزعتر" اللبناني الذي يقطنه غالبية فلسطينية؛ كانت تعتبر الحربة الأقوى في محاربة العدو الإسرائيلي أنذاك، عندما حاصرته القوات السورية والقوات المارونية اللبنانية التي تتألف من: "حزب الكتائب بزعامة بيير الجميل، وميليشيا النمور التابعة لحزب الوطنيين الأحرار بزعامة كميل شمعون، وميليشيا جيش تحرير زغرتا بزعامة طوني فرنجية، وميليشيا حراس الأرز"، وكان التعاون مع الاستخبارات الإسرائيلية علناً من جانب القوات المارونية وكان النظام السوري بقيادة "حافظ الأسد" على معرفة بهذا التنسيق، وطبعا دون نسيان أن ضابطا لبناناي هو من وضع خطة حصار المخيم يدعى "ميشيل عون" بالتعاون مع النظام السوري، واليوم هو جنرال وقائد تيار سياسي يقف إلى جانب "حزب الله" الذي يدّعي اليوم أنه يحارب إسرائيل.
صرّح "عون" متفاخراً عن هذا الحصار: "أنا من وضعت خطة الحصار وكانت الخطة تقضي بأن يقوم الفلسطينيون بتسليم السلاح، وبدلا من ذلك قاوموا بشكل عنيف وكانت الأوامر تأتي من منظمة التحرير الفلسطينية بالصمود الأمر الذي شكّل صعوبة في البداية في سقوط المخيم".
الجنرال عون أصبح رئيسا لتيار سياسي لبناني وهذا التيار يقف اليوم إلى جانب حزب الله حليف النظام السوري، الذي يخوض اليوم أيضا حربا ضد شعبه تحت حجة محاربة الإرهاب، وحزب الله يقاتل إلى جانبه ويشترك في حصار عدة مناطق سورية منها بلدة "مضايا" السورية التي تعيش منذ سبعة أشهر وضعاً شبيهاً لما عاشه مخيم تل الزعتر، لكنه حصار من نوع آخر هو حصار الجوع المدروس.
سيقول أحدهم كان هناك كرهاً من قبل اللبنانيين للوجود والتجاوزات الفلسطينية آنذاك وهذا نقاش لن نخوض فيه لتعدد وجهات النظر حوله، لكنك عند القيام بنظرة للتاريخ تجد أن حلفاء النظام السوري آنذاك هم من حاصروا المخيمات الفلسطينية ومارسوا فيها أبشع انواع القتل والإجرام، وحتى عندما اختلف الأسد الأب مع التيار المسيحي تجد حلفائه اليوم من حركة أمل وحزب الله هم أيضا من حاصروا المخيمات الفلسطينية في لبنان وقضوا على أي نوع من أنواع المقاومة الفلسطينية، وعند النظر إلى الحاضر تجد أن حلفائه اليوم هم من يقاتلون ضد الشعب السوري وهم أيضا من يشاركونه حصار المدن السورية.
وأيضا سيأتي أحدهم ليقول أن نظام الأسد الابن يحارب "الإرهاب"، لكن فلنعد إلى الوراء ونجد أن تصريحات القيادات التي كانت تحاصر تل الزعتر الفلسطيني المقاوم للعدو الإسرائيلي كانت تسمي حربها ضد المخيم بـ "محاربة الإرهاب".
أحزاب وميليشيا على مقاس عنف النظام
المشكلة في القارئ للحرب السورية أنه لا يعود للتاريخ قليلا ويجري مقارنة للأحداث، وتحديداً إلى الحرب الأهلية اللبنانية لتجد كيف قضى نظام الأسد على مقاومة فلسطينية وصنع مقاومة أخرى على مقاسه، وكيف ساند قوى مسيحية وعندما اختلف معها أبادها عن بكرة أبيها وكل من وقف في وجهه كان يتهمه بالعمالة مع إسرائيل؛ التي هي نفسها من نسقت معه للقضاء على تل الزعتر المقاوم لها وشارك النظام السوري في قصفه بالتعاون مع الجنرال عون حليفه اليوم في حربه ضد السوريين.
يحاصر حزب الله "المقاوم" اليوم بلدة سورية ويقتل أهلها جوعاً، تماماً كما حدث في حصاره للمخيمات الفلسطينية أثناء الحرب الاهلية اللبنانية. كان سكان المخيم يشربون من مياه الصرف الصحي حتى يبقوا على قيد الحياة لأن حلفاء النظام السوري آنذاك كانوا يحاصرونهم ولو استطاعوا لقطعوا عنهم الهواء.
"حافظ الأسد" أنهى اي وجود لمقاومة فلسطينية حقيقة في لبنان وشاركته إسرائيل في القضاء عليها خلال اجتياحها لبيروت وإجبارها "منظمة التحرير" مغادرة لبنان ومن ثم قام حلفائه السابقين بمجزرة "صبرا وشاتيلا" وصنع مكانها مقاومة أخرى اسمها حزب الله. واليوم، يعيد النظام السوري التاريخ بمسميات مختلفة مع الشعب السوري.
لعل أرواح شهداء تل الزعتر لو قُدّر لهم الكلام لكانوا اليوم يوجهون التحية إلى أهالي بلدة مضايا السورية التي يحاصرها حزب الله وتحية أخرى إلى مخيم اليرموك السوري الذي يحاصره جيش النظام السوري، فالقاتل واحد والحلفاء قد تغيرت أسمائهم، لكن عنوان القتل واحد "محاربة الإرهاب"؟!