أخبار الآن | دمشق – سوريا (يمنى الدمشقي)
في قاعة "BIEL" الشهيرة في بيروت وبتكلفة مليوني دولار أقام رجل الأعمال السوري "فاروق جود" حفل زفاف باذخ لابنته "جيما جود" حيث ارتدت العروس فستان زفاف من تصميم زهير مراد وبتكلفة 380 ألف دولار، وتداول سوريون صور حفل الزفاف ومظاهر البذخ التي وصفوها بأنها فاضحة لاسيما أنها تزامنت مع الوقت الذي يستمر فيه تساقط ضحايا الموت جوعاً في سوريا.
جاء ذلك بعد سنتين من إقامة رجل الأعمال السوري "وفيق سعيد" حفل زفاف باذخ لابنته الوحيدة في قصر فرساي في باريس وبتكلفة 100 مليون دولار، الذي تزامن حدوثه مع مذبحة الحولة في حمص.
ترف القريب .. وحكمة الغريب
ولجأ السوريون للمقارنة بين عروسين أتراك تخليا عن مأدبة زفافهما وتبرعا بنفقات الزفاف لإطعام أربعة آلاف لاجئ سوري، ومثلهما عروسين كنديين من مدينة تورنتو قاما بتجميع مبلغ 17 ألف دولار للتبرع لصالح اللاجئين السوريين وطالبوا الأصدقاء أيضاً بالتبرع بتكاليف الهدايا للاجئين السوريين منطلقين بذلك من أنه بتكاليف الزواج قد يسهمان في إفادة المجتمع ونشر الإنسانية.
جاء حفل الزفاف الباذخ بعد أيام من إعلان منظمة بلا حدود عن وفاة 35 شخصاً من الجوع في مضايا، وبعد استمرار تساقط ضحايا الجوع رغم دخول قوافل المواد الغذائية إلى المدينة بسبب سوء التغذية، في حين أعلن ناشطون عن كارثة جوع حقيقية تهدد مدينة المعضمية بعد تشديد الحصار على 45 ألف شخص داخلها، وبدء مسلسل جديد من الموت جوعاً للأطفال بعدما أغلق النظام المعبر الإنساني الوحيد في المدينة الأمر الذي أدى إلى نفاذ المواد الغذائية والاستهلاكية من المحلات التجارية.
بينما يستمر ناشطون بتسليط الضوء على مدينة دير الزور التي اعتبروها "منسية" بسبب غياب كل أشكال الحياة عنها وأهمها الغذاء والماء والدواء وسقوط ضحايا من الموت جوعاً فيها أيضاً، الأمر الذي دعا ناشطين سوريين في بريطانيا إلى تنظيم مظاهرات للضغط على البرلمان البريطاني لإلقاء المساعدات على المدينة بدلاً من المشاركة في الحرب ضدها.
الجوع السوري على أنغام أعراس الموالين
ولا يختلف الأمر داخل سوريا وداخل دمشق خصوصاً من البذخ في حفلات الزفاف عن خارجها، في حين تمكن النظام وبشكل فعلي من فصل المدينة عن الريف أو عن المناطق المحاصرة بشكل حقيقي بعد نصب الحواجز العسكرية، ففي الوقت الذي تعيش أحياء عدة في دمشق محرومة من الكهرباء والوقود والمياه ويفرض ضرائب على إدخال الطعام إليها يمعن بعض الأهالي في دمشق بالبذخ في أفراحهم منطلقين من مبدأ أن الحياة يجب أن تستمر وآن للحرب أن تتوقف.
تتحدث "سارة" وهي إحدى الناشطات في دمشق قائلة: "حفلات الزفاف داخل المناطق المهادنة أو المحاصرة في دمشق، تقتصر على زف العروس لعريسها في بيت ليس لهم وعلى الأغلب يكون أهله قد تركوه وهجروا البلد، وبالكاد تتمكن العروس من ارتداء فستان زفاف، في حين تغيب مظاهر كنا قد اعتدنا عليها كلبس الذهب والمجوهرات والولائم الكبيرة والضيافات المتنوعة، لكن يبقى للفرح مظهر جلي فيها لاسيما أنها تنبع من رغبة حقيقية في تغيير الموروث الذي كان سائداً، بينما يختلف الأمر في دمشق حيث لا يزال البعض يصر على المظاهر المتكاملة في الزواج، فبينما لا تزال الولائم تقام في الصالات الفاخرة ويرمى ببقايا الطعام، ينتظر أهالي المناطق المحاصرة حصتهم مما تقدمه لهم الجمعيات الخيرية من مواد تموينية، وبينما يولد الأطفال في المشافي الميدانية أو مكاتب الهيئات الطبية مع غياب أي رقابة صحية وانعدام أي جو صحي لهم، يبذخ آخرون في التفنن في زخرفة القاعات وعرض المجوهرات التي يقدمها العريس لعروسته والتفنن بأشكال الورود التي بات بعضها مستورداً من الخارج".
وتضيف: من المجحف أن نتهم أهالي مدينة كاملة بهذا الأمر، لكن وجود هذه المظاهر بشكل واضح في دمشق جعل المحاصرين في حالة غضب من عدم الإحساس بمعاناتهم، ووجدوا أنه من غير اللائق ورغم اختلاف التوجهات السياسية أن تقام هكذا طقوس وبشكل مترف في مدينة لا يفرق بين الجائع والباذخ سوى شارع أو حي".
ويقول "محمد العبد الله" وهو ناشط من داخل الغوطة الشرقية: "عاشت الغوطة أيام رفاهية كبيرة مسحها الحصار للأسف، لكن من يقيم هذه الطقوس حتى اللحظة وفي ظل الحصار القائم إنما يعبر عن جشعه وقلة احترامه للمناطق المحاصرة التي لا تبعد 6 كم عن دمشق، أنا أقمت حفل زفافي في "سقبا" مقتصراً على كوب من العصير وجمعة للأصدقاء في حين تقام الولائم المفتوحة في دمشق".
رواية النظام المهترئة .. الحياة مستمرة
يشارك النظام في محاولة إظهار هذه الطقوس لاسيما في دمشق وتشارك بذلك صفحاته في نشر تلك الصور والأخبار للفت نظر العالم إلى أن الحياة تسير بشكل طبيعي في دمشق، وأن الهياكل العظيمة التي تنشرها الصفحات المعارضة والقادمة من دمشق وريفها ما هي إلا فبركات إعلامية بقصد الإساءة للنظام، وفي الحقيقة أنه وإن تبدت مظاهر البذخ لدى بعض السوريين إلا أن آخرين آثروا الاستغناء عن كل هذه الطقوس رغم توافر المادة لها، ففي لندن قام العروسان السوريان "فادي حداد ونجوى جمالي" بالتبرع بمبلغ 10 آلاف دولار لتعليم الأطفال السوريين، ومثلهما العروسين "محمود الطويل وسوزان مطر" اللذين تبرعا بتكاليف زواجهما لتوزيع الهدايا والسلات الغذائية على اللاجئين السوريين في تركيا، ومثلهم أيضاً المدون "أحمد أبو الخير وزوجته رغد الشامات" اللذين تبرعا بتكاليف الزواج لإقامة حفل زفاف لهما في حمص وغوطة دمشق.
يجد سوريون أن هذه المبالغ التي ينفقها رجال الأعمال قد تكفي لانتشال السوريين من مأساتهم وإعادة بناء سوريا من جديد، بل ربما من المفترض أن تكون قد تساهم على الأقل في تشغيل الشباب السوري الذي ارتفعت نسبة بطالته بشكل كبير في سوريا، بدلاً من الاستجداء.