أخبار الآن | متابعات (جابر المر)
لا ينحصر الدمار الاجتماعي الذي يقوم به النظام السوري في المناطق الخارجة عن سيطرته عبر القتل والتهجير الممنهجين الذي يقوم بهما على مدار الأعوام المنصرمة، إنما باتت المناطق الخاضعة لسيطرته تعاني من تفشي الانحلال الأخلاقي بعد تسيّد السلاح فيها، واستقطابه لمسلحين من كل حدب وصوب لا يجمع بينهم لا أصل ولا نسب، إنما يشترك جميعهم بكونهم مرتزقة تنمو وتترعرع كلما انحسرت القيم الاجتماعية في المكان الذي يعيشون فيه.
مخدرات حُماة المراقد
تعتبر مدن كدمشق واللاذقية وطرطوس من أهم الموزعين للمخدرات داخل سوريا وخارجها وصولا إلى تركيا، ولا ينحصر تعاطي المخدرات والإتجار بها داخل المدن على الشبان المتعاطين أو البائعين الصغار، إنما تتسع العملية ليدخل ضمنها عصابات المخدارات التابعة لحزب الله، فاليوم في دمشق يباع الحشيش البعلبكي بشكل مفضوح، فحُماة المراقد الشيعية كما يسمون أنفسهم يجلبون بسياراتهم التي لا تتعرض لأي نوع من التفتيش على حدود البلدين مع كل دخول وخروج كميات من المخدرات ليبعونها في السوق السورية التي باتت من أنشط الأسواق في العالم.
النظام الذي يفضل تخدير الناس على أن يخرجوا ضده، بات جزءا مفضوحا من العملية، حيث لم يعد هناك أي ملاحقات لبائعي المخدرات وفي الوقت الذي تداهم عناصره الأمنية بعض البيوت التي يقطن غالبيتها شبان نازحين، باتت المخدرات الموجودة في المنزل المداهم قارب النجاة من الاعتقال، يخبرنا "أحمد" أحد الشبان الذين فروا من حلب إلى مدينة طرطوس: "أضع في بيتي كمية قليلة من الحشيش وبعض زجاجات الكحول تجنبا لأي صدام مع عناصر الأمن إزاء أية مداهمة للبيت، دخلوا مرة ووجدوا الحشيش الذي وضعته على مرمى أبصارهم، فلم يكملوا تفتيشهم، ضحكوا وطلبوا مني أن أتابع التحشيش فهو ما يبرئني من الإرهاب طالما أني من حلب".
الانحلال الأخلاقي كأسلوب حياة
يعرف السوريون من مؤيدي النظام ومعارضيه على حد سواء مدى قذارة ميليشيا جيش الدفاع الوطني وهو المسمى الرسمي لقطعان الشبيحة التي تحارب مع الأسد مذ أن كانت الثورة السورية في أولى مراحلها السلمية، مدمنين، وعاطلين عن العمل، وطائفيين، ومهمشين، جمعهم السلاح والسطوة المطلقة التي أعطاها نظام الأسد لهم، فبعد أن نهبوا واغتصبوا المناطق الثائرة، باتوا اليوم يمارسون شذوذهم الأخلاقي في مناطقهم إذ لا إمكانية لدخول المناطق المحررة بسهولة كما في السابق.
"أبو خليل" أحد سكان مدينة اللاذقية يخبرنا أنه هرب ببناته من المدينة نحو تركيا لأكثر من سبب: "أخشى على بناتي أن يكن عرضة لمن يدعي الدفاع عن الحي من الإرهابيين، لصوص الدفاع الوطني لا أمان لهم، ومن ناحية أخرى فقد باتت المواخير العلنية في المدنية تمنعك من تربية أطفالك على القيم التي ربينا عليها، أخشى أن يربى أطفالي في هذه الأجواء القذرة حتى لو بقوا خارج خطر الشبيحة وهذا بحد ذاته أمر غير مضمون".
من ناحية أخرى فقد بات الاعتداد بالسفور لدرجة الفلتان الأخلاقي المعلن، كنقيض لصورة الآخر في مخيلة الشبيحة "ملتزم دينيا وأخلاقيا"، يبلغ أقصى مداه لا على مستوى الشبان فقط، إنما تورطت عائلات بكاملها من حماة عرين الأسد بهذا الانحلال، فاليوم ترسل بعض الأسر بناتها للتطوع في ميليشيا الدفاع الوطني، كمعادل لما يمكن أن نطلق عليه "سقوط أخلاقي منظّم"، ناسين أن الحرية التي طلبها السوريين "خصوم اليوم" لا تتمثل لهذا الجهل والانحلال المباح.
لم يطلب السوريين يوما أن تصبح سوريا مرتعا لقذارات الأرض، فالتميز عن الآخر بالسقوط الأخلاقي والفجور والتعاطي يجعل الهوة أعمق بين السوريين أنفسهم، ولا يقيم للحال مقاما بعد أن تنتهي الحرب، فليت حماة النظام اليوم يعون ما أوصلوا أنفسهم، والوطن إليه، وإلا كيف نكون شركاء؟ وبماذا؟.