أخبار الآن | الرقة – سوريا (عزام الحاج)

يمكن تلخيص حال المدنيين في الرقة خلال الآونة الأخيرة بأنها انتقال من سيء إلى أسوأ في المعاش وأساسيات الحياة كما في قدرة التواصل والتنقل وصولاً إلى سياسة داعش الإحلالية المستمرة وليس انتهاءً بتحول حياة المدنيين إلى لعبة احتمالات أو مقامرة يومية.

سوء الأحوال المعاشية يتفاقم بشكل يومي نتيجة ارتفاع الأسعار واختفاء العديد من السلع من الأسواق. أما التضييق على حاجات الناس في التنقل والسفر والتواصل والحصول على معلومات فقد وصل إلى أوجه عبر إطلاق التنظيم حملة لإزالة صحون التقاط البث الفضائي في خطوة ترجع بسكان المدينة إلى الخلف عشرات السنين؛ فتحتجزهم فعلياً في كهف يفصلهم عن العالم الخارجي وأحداثه ومجرياته، في وقت يتناوب فيه طيران حربي تابع لأكثر من طرف استهداف المدينة وأطرافها بشكل يومي، بالإضافة إلى العمليات العسكرية اليومية على خط جبهة يمتد من جنوب الحسكة إلى شمال محافظتي الرقة والحسكة.

استمرار السياسة الاستيطانية

واللافت في خضم كل هذا أن تنظيم داعش، ورغم الواقع العسكري والأمني واللوجستي المعقد، يجد متسعاً للاستمرار في سياسته الاستيطانية المتمثلة في الاستيلاء على بيوت الرقيين ومنحها لمهاجريه، أي مقاتليه الأجانب. فقد أفاد ناشطون إعلاميون ومواطنون من منطقة قرى "الحمرات" شرق مدينة الرقة أن التنظيم استولى على عدد من البيوت في هذه القرى من أجل إسكان مقاتلين منتسبين إليه. وعدَّت عمليات الاستيلاء هذه سابقة نظراً لأنها تحدث للمرة الأولى في ريف الرقة، في حين انحصرت كل عمليات الاستيلاء السابقة ضمن مدينة الرقة وحدها. الاستيلاء تركز على فئتين من البيوت الخالية، فإما بيوت بعض المهاجرين للعمل في دول الخليج أو نازحين في الداخل أو مهاجرين إلى تركيا أو أوربا طلباً للأمان.

إلا أن عنصرا التوقيت والهدف من الاستيلاء يبقيان على الكثير من الغموض والاستغراب، وفوقها سؤال: من هم الساكنون الجدد؟. ففي حين يتزايد الضغط العسكري على التنظيم في سورية عموماً، وتتواتر أنباء عن نقل عدد من قادته لأسرهم إلى أماكن أقل خطراً في العراق، فإنه يعمل على مصادرة بيوت إضافية.

سياسة الإحلال السكانية لعناصر داعش

يأتي الجواب، أو مؤشر إلى إجابة هذا السؤال، من مقاتلين من "لواء ثوار الرقة" الذين يرابطون على خطوط الجبهة مع تنظيم داعش في الريف الشمالي لمحافظة الرقة. إذ أفاد بعض هؤلاء أن التنظيم استقدم مئات المقاتلين من جنوب دمشق. وأن هؤلاء وصلوا بالفعل قبل نحو أسبوعين إلى مواقع القتال على خط الجبهة مع "قوات سورية الديمقراطية" ولواء ثوار الرقة. وأضاف مقاتلو لواء ثوار الرقة أن معظم هؤلاء أجانب إضافة إلى أنهم يمتلكون أساليب قتال جديدة تختلف عما اعتادوه من عناصر التنظيم الإرهابي سابقاً.

وكان الإعلام قد تداول بكثافة يومي 24 و25 كانون الأول 2015 خبر التوصل إلى اتفاق بين النظام السوري وتنظيم داعش رعته الأمم المتحدة ويقضي بخروج خمسة آلاف من مقاتلي التنظيم وأسرهم من مناطق في جنوب دمشق -مخيم اليرموك والحجر الأسود- باتجاه الرقة؛ ثم ذكرت الأخبار لاحقاً أن تنفيذ الاتفاق كان قد أُرجئ نتيجة الخشية من ردة فعل جيش الإسلام، الذي يشرف على جزء من أوتوستراد دمشق -حمص، بعد مقتل قائده "زهران علوش" بغارة روسية على إحدى بلدات الغوطة الشرقية.

مقاتلو لواء ثوار الرقة مقتنعون أنهم اليوم يواجهون مقاتلي داعش القادمين من جنوب دمشق، فإذا صح ما يقولونه، فإن نقل مقاتلي داعش إلى الرقة كان قد تم في موعده ولم يؤجل كما أُشيع، أو أن دفعات كانت قد وصلت في حين تم تأجيل نقل دفعات أخرى وقتها. وأياً تكن الحال، فإن ثمة في ريف الرقة الشرقي، وفي قرى الحمرات تحديداً، العشرات من البيوت المصادرة والعشرات من الأسر الغريبة قد سكنتها فيما أصحابها يتسقطون أخباراً عن ساكني منازلهم ومستعملي أثاثها من الجيران.