أخبار الآن | دمشق – سوريا (عمار الشامي)
لم يهدأ بعد الجدل الذي أثاره الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي والذي أظهر "أسماء الأسد" تتحدث بتفاؤل ورضا تام عن حال ومستقبل التعليم في سوريا، على الرغم من الحرب الدائرة فيها، على حسب تعبيرها.
عقب الفيديو نشر رواد مواقع التواصل أرقاماً مخيفة تشير إلى أعداد الطلاب السوريين المحرومين من التعليم، أو الذين قتلهم النظام السوري بصواريخ طائراته، أو أولئك الذين لم يجدوا سبلاً إلى التعليم في دول اللجوء المجاورة لسوريا. ولكن المراقب الدقيق لأحوال التعليم في مناطق سيطرة النظام في سوريا، والتي تبدو لوهلة أكثر استقراراً من غيرها من المناطق المحاصرة يستطيع بسهولة أن يرى ما وراء "ورقة التوت" التي رفعتها "أسماء الأسد" عن أحوال التعليم حتى في مناطق سيطرة نظام زوجها.
إلغاء الدروس بسبب برودة الطقس
"أبو نعيم" نازح من غوطة دمشق الشرقية ومقيم في حي الزاهرة الجديدة في دمشق، تحدّث لأخبار الآن عن معاناته في تعليم أولاده: "لدي ولدان في المدارس الآن، الكبير في الصف التاسع "شهادة التعليم الأساسي" وابنتي الصغيرة في الصف الخامس، على الرغم من سعادتي بإرسال أولادي إلى المدرسة مقارنة بباقي أفراد عائلتي وأصدقائي ممّن يعيشون في المناطق المحاصرة، إلا أن سوية التعليم التي يتلقاها أبنائي اليوم هي متدنية جداً، وخاصة في حالة "نعيم" طالب شهادة التعليم الأساسي التي تحتاج الكثير من الجهد والمتابعة من الأساتذة، منذ يومين صرفهم أستاذ الرياضيات ساعتين من انتهاء الدوام بسبب برودة الطقس، وعدم توافر أي وسيلة للتدفئة، وهذا الأمر يتكرر بشكل يومي، الأمر الذي سأضطر لتعويضه بالدروس الخصوصية مرتفعة الثمن".
وتابع أبو نعيم: "حتى لو توفّر لدي المال الكافي لهذه الدروس، فإن حجز درس عند أستاذ جيد قد يستغرق أياماً من الانتظار، بسبب امتلاء مواعيد هؤلاء الأساتذة، وذلك بالإضافة إلى صعوبة استقبالهم في منزلي الصغير المستأجر، والذي يمتلأ عن آخره بأفراد نازحين من عائلتي".
شهادة مزورة تنافس الأصلية
أما في حالة التعليم الجامعي في مناطق سيطرة النظام فلا تبدو الصورة أفضل منها في حالة التعليم الأساسي. "سوسن" طالبة اقتصاد في سنتها الأخيرة بجامعة دمشق تحدّثت عن مخاوفها المستقبلية من الاعتراف بشهادتها خارج نطاق مناطق سيطرة النظام في سورية: "خاطرت بكل شيء، وتحمّلت ظروفاً صعبة جداً لأكمل دراستي في هذه الظروف، والآن أواجه أنا وزملائي خوفاً من عدم الاعتراف بشهادتنا دولياً، خاصة في ظل عمليات التزوير الكبيرة التي تحصل في بعض الدول المجاور لسورية، لكني الآن سأحاول التخرج من الجامعة رغم هذه الظروف التي نقدّم فيها الامتحانات في قاعات كبيرة تخلوا من أية وسيلة للتدفئة!".
وبخصوص عمليات تزوير الشهادات الجامعية والمدرسية السورية، بإمكان المتصفح العادي لمواقع التواصل الاجتماعي مشاهدة عشرات الإعلانات عن "مكاتب" تمثّل واجهة لمزورين يعملون يومياً على استصدار شهادات جامعية ومدرسية من أي مستوى، تصل حتى إلى تزوير درجة الدكتوراه مقابل مبلغ لا يتعدى مئتي دولار أمريكي!.
السفر للم شمل العائلة
من الظواهر الهامة أيضاً في التسرب الدراسي السوري اليوم، ظاهرة إرسال العائلات لأولادها ممن لم يتجاوز عمرهم الثمانية عشر عاماً إلى بلدان اللجوء الأوربية كي يقوم هؤلاء بلم شمل العائلة إلى أوروبا لتوفير كلفة وصعوبة هجرة الوالدين في ظروف الهجرة المزرية.
النسبة الكبرى من هؤلاء الشبان الصغار تركت مقاعدها الدراسية وحملت باكراً عبء إنقاذ أسرتها من أتون الحرب السورية، معظم هؤلاء الشبان اليوم ينتظرون في مخيمات في دول اللجوء أعدّ بعضها لاستقبال القاصرين، حيث يجتمعون فيها مع أقرانهم من دول أخرى كالعراق وأفغانستان وإيران في تجربة غربة وعزلة مبكرة للأطفال في هذا العمر، ناهيك عن انقطاعهم عن الدراسة بانتظار سير إجراءات اللجوء وتعلّم لغة البلد الجديد، ومن ثم العودة إلى الدراسة، العملية التي قد تستغرق سنة أو سنتين في ظل الإجراءات الأوروبية الحالية، التي تتباطأ بسبب ازدياد عدد اللاجئين.
أما بالنسبة لأحوال الطلاب في المناطق المحاصرة، وتلك المحررة الخارجة عن سيطرة النظام السوري، أو أحوال الطلاب في دول اللجوء المجاورة لسوريا فإن مجمل المنظمات العالمية تقدّم أرقاماً مخيفة للواقع التعليمي للأطفال السوريين في المستقبل، الأمر الذي يستلزم جهوداً كبيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مستقبل الجيل السوري الجديد.