أخبار الآن | دمشق – سوريا (ميساء الحمادي)
فرض الاحتياط على الشباب في سوريا وسحبهم من على الحواجز ما هي إلا وسيلة أخرى من وسائل النظام للتهجير القسري وإجبار الشباب على مغادرة البلاد.
"محمد" المهندس الزراعي، غادر البلاد مؤخرا بعدما آثر البقاء فيها لخمس سنوات، متحملا فقدان الأهل والأصدقاء واحدا تلو الآخر، ليشهد فقدان حلمه بسقوط النظام وتحرير دمشق ويكون شاهدا على نهاية أسوأ حكم ديكتاتوري في القرن الحادي والعشرين.
عانى من الجوع، واختبأ وطورد من قبل الأمن لكن كل هذا لم يدفعه للمغادرة إلا عندما بدأ التشديد في الأشهر الأخيرة على الشباب، يقول: "كان هناك مجموعة من عناصر الأمن العسكري بزي مدني يتجولون في الشوارع ويقومون بسوق الشباب قسرا إلى منطقة كانوا يضعون فيها "باصين" أو ثلاثة، وما إن تمتلئ تلك الحافلات يأخذونهم إلى مقر الشرطة العسكرية في "القابون" ويبقونهم هناك لمدة يومين أو ثلاثة و"يفيّشون" لهم حسب تعبيرهم، ومن كان يملك تأجيلا أو دفع بدلا عن الخدمة الإلزامية "طبعا هم لا يسألونهم عن هذا التأجيل عند سوقهم من الشوارع بأبشع العبارات والإهانة والذل" لكنهم في فرع الشرطة العسكرية يعمدون إلى ابتزازه ليدفع لهم حتى يطلقون سراحه، يخيفونه بأنه سوف يسجن وأن أهله لن يعرفوا مكانه فيضطر للدفع لهم مبالغ طائلة مقابل حريته، وأما من كان بالعمر المطلوب أو من له نشاط ثوري مهما كانت صفته فهذا يعتبر في عداد الموتى".
لا تنتهي الرحلة هنا، فبعد ذلك يأخذونهم إلى "فرع الأمن العسكري" حيث يبقون فيه عشرة أيام على أقل تقدير، يعانون خلالها شتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي والانتهاكات، ثم يخضعون لفترة تدريب بسيطة في منطقة تسمى "الدريج" تابعة للفرقة الرابعة التي يروج لها النظام بأنها مركزا للتطوع والتدريب، حيث يأتي التلفزيون السوري الرسمي ويصوّر كيف أن الشباب أتت هنا طوعا للدفاع عن الوطن.
بعد هذه التدريبات البسيطة التي لا تكفي لتدريب قاصر بسبب الضغط على الجبهات، يضعونهم على خطوط النار المشتعلة دون سلاح "كيف سنعطيكم سلاحا لتقتلونا به" هذا ما يرددوه عليهم.
يتوزع هؤلاء الشباب على جبهات حماة وسهل الغاب ودرعا "بلدة إزرع" كل حسب حاجته فلا تكون مهمتهم سوى أنهم كبش فداء لمعرفة أماكن كمائن الجيش الحر، فإذا كان هناك من يتربص بهم يطلقون النار ليذهب هؤلاء الشباب ضحايا، وإن لم يكن، فيتركونهم لمهمة كشف أخرى. كل هذا والأهالي تجهل مصير أبنائها أو مكان خدمتهم ليعودوا لهم بعد أقل من شهر في تابوت خشبي وكلمة واحدة "ابنكم مات خدمة للوطن".
حملات مداهمات يومية تتم بشكل منظم، يتم إغلاق الحارات حيث يدخل العناصر البيوت ويطلبون "دفتر العائلة" ويصادرون "الهويات الشخصية"، يضعون العائلة في زاوية داخل المنزل وتتم عملية تفتيش المنزل خوفا من اختباء أحدهم فيه ويأخذون من في عمر الخدمة العسكرية إلى الحاجز القريب.
مأساة حقيقة يعيشها الشباب غير القادر على السفر، حالات رعب وخوف لا تنتهي يوميا حتى باتت شوارع دمشق خالية من شبابها، لا ترى فيها إلا النساء والأطفال والعجزة خوفا من الحواجز التي قسمت أوصال العاصمة المحتلة إلى مساحات صغيرة.